أسماء أدبية ترسّخ للحداثة بأسلوب يحكم النص والفكرة لعلّ ما يجعلنا نخصص دراسات وأبحاثا أدبية ولغوية لتطوير اللغة والتمشّي مع عصرنه الأدب وفق تجليات الحدث والزمن، ذاك النفق المظلم الذي تمرّ به ظروف الوطن العربي والأحداث التي تعصف باستقرار شعوبه، مما جعل الكثيرين يخوضون تجربة الكتابة للتعبير عن خلجاتهم وتمرّدهم على الأحداث، متّخدين من الأدب شكلاً وفيّاً يستطيعون من خلال فنونه ترجمة همومهم وصياغتها وفق ما يناسبهم وتطلعاتهم بشكل لا يخضع لرقابة أو قوانين. الأمر الذي جعل الكتابة حرفة ومهنة الجميع، بعدما كان المطلب الأول القراءة للجميع... لتصبح بذلك الأعمال الأدبية لا تقف على عتبة القواعد اللغوية أو ضوابط فنية، ولا تؤمن بثوابت الأدب في أغلب الأحيان... لكن مازلنا نشهد في الساحة الأدبية بعض الأسماء الأدبية الكبيرة التي ترسّخ الحداثة بأسلوب يحكم النص والفكرة، دون الخروج عن الإطار العام لأي فنّ أدبي. من بين هذه الأسماء، الكاتبة العراقية صبيحة شبر، التي اتخذت القصة نمطاً أدبيا يليق بها وتليق به، تكتب القصة وتجادل الأنا والآخر بأسلوب محكم ورزين، دون مخالفة لضوابط هذا الجنس الأدبي الذي يرفض الانصياع لأي كاتب كيفما كان، ومهما كانت قدرته على تطويع الكلمة وتحريك دهاليز الخيال. صبيحة شبر... كاتبة عراقية، أنهكتها الخطى الممتدة بين سنوات الغربة الممتدة من المغرب إلى المشرق، وظروف التهجير والحصار التي مرّ بها وطنها الصامد العراق، ظلّت صامدة بنتاجها وفكرها، تجول الكلمة وتصادق الفكرة وتنسج القصة دون تكليف أو رتوش... بصورة دقيقة واعية من خلال علاقة الحدث بالواقع وما ينجم عنه من صراع وما تمتاز به من تركيز وتكثيف في استخدام الدلالات اللغوية المناسبة لطبيعة الحدث وأحوال الشخصية وخصائص القص وحركية الحوار والسرد ومظاهر الخيال والحقيقة وغير ذلك من القضايا التي تتوغل هذا الفن الأدبي المتميز. لنجد أنّ كاتبتنا على وعي تام بتقنيات فن القصة القصيرة، لذلك نراها تميل إلى الراوي الأنا في كثير من القصص للإيهام بين الذاتي والجمعي، أو تأخذ موقف الراوي العليم الذي يقدم كل شيء بمقدار ويتوقف عند حدود طرح السؤال فكان لقصصها الأثر الكبير في جعله نمطاً يحتذى به، مجسّدة في أبهى صورة علاقة الفعل بالفاعل ليكتمل بذلك معها النص القصصي حتى مرحلة التنوير من حيث المعمار الفني. ومن الأعمال التي لامست الهمّ الإنساني بكل إسقاطاته ولاقت استحسانا كبيرا في الساحة النقدية العراقية والعربية، مجموعتها: «التابوت»، وإن ركزنا على القصص التي تتناول هموم المرأة والتي غالبا ما تكون المرأة راويا أو مرويا عنها نجدها تفترس معظم مساحة مجموعة التابوت، هذه المجموعة التي بُنيت على مضامين مدروسة، محاولة من خلالها أن تفتح بوابات الأسئلة وتثير النقاش، وهي الكاتبة والمثقفة متعددة الاهتمامات والمشغولة بقضايا الوطن والمرأة والعدل في كل مكان. أما في مجموعتها القصصية: «امرأة سيئة السمعة» وهو عنوان في حد ذاته مشحون مليئ بالقسوة والاحتجاج الداخلي والاجتماعي في آنٍ، لم يكن من السهل رفعه بمثابة لافتة في مظاهرة صامتة من غير استهداف أغراض وإشارات حافلة داخل النص. إذ نجد أيضا أنها اعتمدت شخصية محورية موحّدة قامت بدور الراوي أو الراوية والبطل في آن واحد. أما مواصفات هذه الشخصية فهي: شخصية أنثوية (امرأة)، عمرها في الخمسين تصارعها أعراف المجتمع والسلطة معاً، حيث عبّرت الكاتبة عن حذق وذكاء حادّ عندما حصرت بطلتها وقصصها داخل هذه الفئة العمرية لتناسب رؤيتها القصصية، لاسيما وأنها اختارت ربط جميع القصص بحياة بطلة تكاد تكون واحدة ومكررة في المجموعة. بذلك تحتلّ القاصّة والروائية صبيحة شبر الصدارة نسائياً في تثبيت الهوية القصصية العربية في الوقت الراهن، وهذه القاصة المرأة التي عانت من ظروف الغربة وتقلبت في بلدان عديدة ثم عادت إلى العراق لتستعيد أرضها وسماءها فيها قصصاً تمتاز ببساطتها العالية وحواراتها الداخلية التي تعبر عن وحدة الشخصيات ومعاناتها وهمومها تارة مع الزمن وتارة أخرى مع السلطة وأحيانا كثيرة في مجابهة الذات والظرف. لتلامس بذلك الجروح التي تتركها الحياة على كل واحد منا بأسلوبها الواقعي وسلاسة التعبير وعدم تعريض السرد إلى إسقاطات أو منعرجات لا ضرورة لها، مما يجعل كتابة القصة القصيرة عند صبيحة شبر درسا مفيدا لكيف تكتب القصة القصيرة ضمن شروطها الفنية المتعارف عليها منذ بدايات نشوء هذا الفن السردي الصعب إلى يومنا هذا... فليس دائما نصادف الأدب الأصيل أو نجد من يكتب لنا بحرص وخبرة ودراية فنية عالية، كما أرى أو كما اطلعت.