من المعروف أن للتراث المادي واللامادي في الجزائر مكانة خاصة ما تعلق منها بمجال الفن التشكيلي، حيث استقطب منذ زمن بعيد اهتمام العديد من الرسامين الكبار الجزائريين، أمثال نصرالدين ديني، محمد راسم، عائشة حداد وغيرهم و الذين قاموا بتدوينه وتوثيقه من لوحاتهم وأعمالهم، مضيفين إليه النظرة الجمالية التي تأرجحت بين الأسلوب الواقعي و التجريدي وكذا المنمنمات. وتشكل هده الأعمال مدونة هائلة للعديد من كنوز التراث الثقافي الشعبي و التاريخي المادي واللامادي الوطني، فمنهم من اهتم برسم العادات والتقاليد الشعبية العريقة، وطرق عيش الجزائري المتنوعة والمتعددة في كل ربوع الوطن، ومنهم من اهتم بكبريات المعارك البحرية والبرية وتخليد المقاومة الوطنية وأبطالها. كما اهتم البعض الآخر برسم وتخليد المعالم الأثرية والتراث المعماري الذي تزخر به الجزائر من مساجد وقصور وقصبة و جسور، فيما انصب البعض الآخر على المناظر الطبيعية الخلابة من جبال وشلالات و شواطئ و صحاري وكثبان رملية وواحات خضراء . ولم يقتصر الفن التشكيلي على الرسم فقط بل عمد العديد من الفنانين من يمتلكون هواية النحت والزخرفة إلى تخليد عظماء جزائريين ، أو أماكن تاريخية أو معالم بالطين و النحاس والخشب و حتى الرمل في تحف و منمنمات و لوحات رائعة. لكن وإن كان هذا المجهود الجبار يخدم الموروث الثقافي الشعبي بالدرجة الأولى ويحفظه نوعا ما من النسيان، فإن هذه الأعمال معرضة اليوم وللأسف لقلة اهتمام الجمهور والناس بها، وبمنتجيها، هذا في غياب المختصين في هذا المجال، وانعدام سوق حقيقية للفن التشكيلي. ولم يبق التطرق إليها واردا سوى من خلال بعض الدراسات الجامعية أو البحوث، أو من خلال بعض الملتقيات المتفرقة المنظمة هنا وهناك بطريقة مناسباتية فقط، أو لكون هذا أو ذاك الفنان وليد المنطقة... ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا الركود في الاهتمام باللوحات التوثيقية، هو منافسة الصورة الفوتوغرافية لها، حيت أخذت هذه الأخيرة تكتسح الميدان، متكئة في العديد من الأحيان على التكنولوجيات الحديثة. وأصبح من السهل الاعتماد على الصورة لتنظيم المعارض التي تحكي عن التراث الجزائري للسهولة التي تقدمها في العرض والاستعمال و التقديم، مع العلم أنه وبالرغم من هواية وأسلوب المصور، تبقى ريشة ونحت الفنان تحفا فنية فريدة من نوعها.