يرى الكثيرون نيران الحرب المشتعلة في المنطقة العربية على أنها مؤامرة «امبريالية صهيونية»، إلا أنها لا تعدو للرائي وللشعوب العربية التي تعيش في قلب الأزمة وعن قرب عن كونها استعادة متجددة لحرب البسوس، بينما يرى متتبعون للشأن العربي أنها سايكس بيكو جديدة غير أن تقسيم العرب هذه المرة ليس على أساس قومي إنما على أساس مذهبي، حيث بدأنا نسمع عن الشيعة والسنة وقد غذت ذلك قنوات طائفية عربية كثيرة. تلك الحرب يقول رواة أيام العرب إنها استعرت عام 494، بالتقويم الميلادي بين قبيلة تغلب بن وائل، وقبيلة بكر بن وائل، بسبب ناقة لسيدة من تغلب تدعى البسوس. قتل بكري ناقة البسوس فتطايرت بعدها الرؤوس والهامات، واشتعلت حرب ثأرية استمرت أربعين عاما، وبروايات أخرى عشرين عاما وبضع سنين. وبطبيعة الحال سيتحجج الكثيرون بأن الأوضاع مختلفة تماما، وأن العرب اليوم محاطون بأعداء قريبين وآخرين بعيدين وجميعهم يحيكون الدسائس ويتآمرون عليهم ليل نهار بل ويتآمر بعض العرب عن بعضهم الآخر، بينما في تلك الأيام الخوالي كان العرب يعيشون في خلاء منعزل وما من دخيل بينهم. لا يمكن بطبيعة الحال نفي أن يكون خلف الأكمة عدو متربص، إلا أن الأهم، وهو ما يغيب دائما عن أنظار العرب والمسلمين، أن تماسكهم وتراصهم ويقظتهم أو العكس هو ما يحدّد مصيرهم بالدرجة الأولى، وهنا مربط الفرس. كان في أطراف الديار بلاد تسمى الصومال، اندلعت فيها حرب البسوس منذ عام 1991، ولم تنطفئ حتى الآن. قد يكون هناك من يصبّ الزيت على النار، لكن لولا القش والحطب والدروب السالكة، ما اشتعلت تلك المحرقة كل هذه السنين، لكنها على ما يبدو لعنة البسوس تلاحقهم من دون أن يدرو. ونفس الحال لحق بالعراق منذ عام 2003 وحتى اليوم، حين أسهم الأمريكيون وحلفاؤهم بما فيهم بعض العرب في إطلاق شرارة حرب البسوس هناك. وفي هذه المرة أيضا ظهرت بكر وتغلب وإن في لبوس جديد متعدد الألوان، وها هي حرب البسوس تتجدّد فصلا بعد آخر في بلاد الرافدين منذ 13 عاما ولا ينطفئ أوارها، فهل مرد ذلك يا تُرى أن الأعداء أحكموا مكائدهم أم أن عقلاء الديار فقدوا صوابهم؟ أما ليبيا، فحرب البسوس اندلعت هناك منذ خمس سنين ويزيد. اشتعلت ولم تنطفئ بل انتقلت من مكان إلى آخر، وفي كل مرة يصاب ضرع ناقة البسوس بسهم فتراق ثأرا له الدماء، دماء غزيرة من دون حساب، ولا يتعظ من الموت الرخيص أحد ولم تستثن لعنة البسوس اليمن، وبعد أن توحد شطراه وكبر الأمل في أن يعود سعيدا كما في ماضيه السحيق، أصاب سهم غادر ضرع ناقة البسوس من جديد، فانفجرت براكين القبائل والعشائر حربا لا تبقي ولا تذر وها هو اليمن اليوم يعيش عيشة ضنكى، حيث الفقر والجوع والجهل والمرض. وفي سوريا لم يكتمل الحلم بعودة الجولان فشرارات حرب البسوس تحوّلت إلى لهيب حارق، وإلى نار مستعرة تزيد ولا تنقص وبلا شك، وجد الجيران وغيرهم في كل حرب بسوس عربية فرصة سانحة كي يصولوا ويجولوا، ويطبخوا خبزهم فوق النيران التي تحرق الديار وسكانها، وما كان لهم أن يدخلوا لو لم يجدوا الأبواب مشرعة على مصراعيها وبخيانة داخلية فالعرب هم الملومون فيما لحقهم من مصائب، وفي تكالب القوم عليهم. لو لم تسول نفسٌ أمارة بالسوء لامرئ بأن يغرس سهمه في ضرع ناقة البسوس، ولآخر بأن يثأر أضعافا مضاعفة ما كانوا العرب اليوم فيما هم فيه من خطب قد لا يزول قبل عشرين عاما وبضع سنين، كما تقول أكثر الروايات تفاؤلا. حروب وانقسامات نفس الوضع يعيشه العرب اليوم حروب وانقسامات وغيرها فإذا كانت اتفاقية سايكس بيكوالتي سميت في بادئ الأمر باسم اتفاقية القاهرة السرية والتي حدّدت مناطق نفوذ كل من الدول الثلاث في غرب آسيا من تركة الرجل المريض ورغم أنها عدلت عدة مرات إلا أنها سمحت بتقسيم البلاد العربية بين المنتصرين وأدرك العرب أنهم خدعوا ومن أكبر المخادعين ضابط المخابرات البريطاني لورانس العرب وقد قسم العرب على أساس قومي والمؤكد اليوم حسب المتتبعين للأمور العربية أن تقسيم المقسم آت لا محالة ويكون رائد هذه الرؤية هذه المرة الولاياتالمتحدة للقضاء على أي حلم عربي للوحدة. وما يؤكد هذا المسعى هو تصريح مدير الاستخبارات الفرنسية «برنار باجوليه» السنة الماضية مع نظيره الأمريكي «جون برينان» في مؤتمر صحفي مشترك بواشنطن حيث قال: «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة»، مشككا في أن يعود مجددا إلى ما كان عليه من قبل مؤكدا أن دولا مثل العراق أو سوريا لن تستعيد أبدا حدودها السابقة. والتقسيم لن يكون إلى قوميات لأن ذلك لم يحقق النتائج المرجوة من قبل ولذلك نصح المستشرق البريطاني الأمريكي «برنارد لويس» باستخدام العنصر المذهبي كالشيعة والسنة وغيرهما والترويج له من خلال قنوات طائفية، وتبين للجاهلين الفروق العقائدية بين المذاهب الاسلامية دون أن يعرفوا مبادئ الدين الاسلامي الحنيف وهذا كله من أجل صياغة سايكس بيكو جديدة بأياد عربية اسلامية وعن طريق عملية ارهابية يزال يقودها الدموي أبوبكر البغدادي الذي كان مسجونا في سجون العراقالأمريكية أفرج عنه لينشر الخراب في هذه البقعة العربية البائسة. إن إطلاق الغرب لخطة سايكس بيكو جديدة تتمثل بالتقسيم الطائفي وتأجيج النزاعات بين الدول العربية وإثارة البلبلة داخل البلد الواحد.