سجلت المؤسسات العقابية قفزة نوعية في التحصيل العلمي المعرفي. وهي تترجم مدى العناية بالتربية والتكوين في هذه الفضاءات التي كسر فيها السجناء عزلة الزنزالة وضغطها ولم يستسلموا للقنوط والملل، جاعلين من ظروف الحبس، محطة مهمة لتصحيح النفس ومراجعة الضمير وإدارة الظهر إلى الانحراف بكل أشكاله ومخاطره. وتكشف النتائج المسجلة في امتحانات شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط هذه الحقيقة. وتعطي أجوبة عن كيف تحولت السجون إلى مدارس ومعاهد تخرج نزلاء متسلحين بشهادات مهنية يحسب لها الحساب. وتوضح لماذا نجح الكثير من السجناء في هذا الاستحقاق التعليمي وهم داخل الزنزانة وفشلوا في نيله وهم خارجها. إنها حقيقة توقفنا عندها أكثر من مرة بمناسبة تكريم السجناء المتحصلين على شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط . وهي المناسبة التي دأب في الإشراف عليها كل موسم الطيب بلعيز وزير العدل حافظ الأختام. إنها حقيقة ترسخت بذهننا في أخر حفل تكريم نظم بسجن الحراش مؤخرا. وكم كانت الفرحة عارمة من السجناء المتفوقين وأهلهم ومسؤولي المؤسسات العقابية والتربية الذين ساهموا بشكل أو آخر في النتيجة. فقد نال شهادة البكالوريا 531 ,2009 سجين بدل 86 سجين عام 2003 أولى السنوات التمهيدية لإصلاح المؤسسات العقابية التي انطلقت فعليا سنة 2004 . وقدر عدد الناجحين في شهادة التعليم المتوسط لهذا الموسم 1404 سجين بدل 62 ناجحا خمس سنوات مضت. ويضاف إلى هذه الوضعية النجاحات الأخرى المسجلة لدى السجناء في التكوين المهني ونيل شهادات في مختلف التخصصات والشعب التي تسمح لهم للالتحاق بعالم الشغل معززين مكرمين، وتفتح لهم فرص ذهبية في إنشاء ورشات لهم ومؤسسات تخلق بدورها مناصب عمل جديدة والثروة والقيمة المضافة. وكان النجاح نتيجة منطقية لما اعتمد من تدابير تتكفل بالسجين وترعاه ولم تتركه وشانه. وهي تدابير أقنعت المترددين بحتمية مزاولة الدروس في السجن والبحث عن فرص النجاح ليس فقط في الاستفادة من العفو الرئاسي وتقليص العقوبة، لكن في التسلح بشهادة مهنية كم هي مهمة للعمل وإعادة الاندماج الاجتماعي. وتتضح الصورة وتكتمل من خلال الإقبال المتزايد على التكوين والتعليم في السجون. وتزايد عدد السجناء الذين يزاولون تعليما في مختلف الأطوار من محو الأمية، والمتوسط والثانوي والجامعي، أو يتابعون تكوينا مهنيا. مع العلم أن عدد السجناء في التكوين المهني يقدر ب 41258 سجينا. وهو عدد تضاعف بالمرات لما كان عليه عام 2003 مسجلا 3931 سجين. وبقراءة متأنية للأرقام ، نستشف أن عدد المحبوسين المسجلين في التعليم والتكوين تقدر نسبتهم ب 52,74 في المائة من مجموع المحبوسين. يؤكد مرة أخرى مدى عناية المحبوسين بأطوار العلم والمعرفة والتكوين، وإرادتهم القوية في الاستفادة من ظروف الحبس، وتسخيرها لما هو أفيد لهم وأصلح: العودة إلى أحضان المجتمع في صورة أخرى ومهمة ومسؤولية نادت بها تدابير إعادة الإدماج ووضعتها في مرتبة القداسة لا تقبل بالمساس والاستصغار مهما كانت الظروف والأحوال.