جرت العادة منذ القدم بمدينة تلمسان خلال شهر رمضان المعظم أن تكرم العائلات أبناءها وبناتها بمناسبة موعدهم الأول مع الصيام، فيكون هذا اليوم السعيد حدثا مميزا وبهيجا في حياة الطفل والأسرة على السواء. وهكذا ما إن يبلغ الطفل سن القدرة على تحمل الجوع والعطش، أي من سن السادسة إلى العاشرة تقريبا حسب الفصل الذي يحل فيه شهر الصيام، تنصبُّ حوله اهتمامات الأبوين فيستدرج شيئا فشيئا إلى الإمساك عن الطعام لتحضيره لهذا اليوم الموعود. ولهذا الغرض تدعوه إلى القيام بخطوة أولى نحو فريضة الصيام، تتمثل في الإمساك عن الطعام الى غاية منتصف النهار خلال يومين متتاليين، ويتم "خيطهما من طرف الملائكة" كما يقال ليصبح يوما كاملا. وإذا لاحظ الأبوان أن الطفل قد تحمل فعلا هذا "الصيام الجزئي" بدون مشقة كبيرة، فإنهما يدفعانه في نهاية المطاف إلى صوم يوم كامل، بعد تشجيعه ليلا على تناول وجبة السحور كي يشعر بجدية الأمر، حسب شهادات بعض الجدات. وأكدت في نفس السياق أن في هذا اليوم الذي غالبا ما يصادف إحدى ما يعرف بالجهة باسم "النفقتين" أي الرابع عشر أو السابع والعشرين من رمضان، يحظى الطفل بعناية كبيرة من طرف محيطه، ناهيك عن الهدايا التي يمكن أن تجلب إليه بهذه المناسبة السعيدة. ونصيب الولد من الاحتفال بهذا اليوم أقل بكثير من حظ البنت، إذ أن الذكر وإن كانت تجربته الأولى في الصيام تجلب له رضا أفراد الأسرة وعطفهم، فإن هذه المناسبة تشكل عيدا حقيقيا بالنسبة للبنت التي تصبح "عروس رمضان''. إن الاحتفال بالصيام الأول للفتاة يجعلها محل عناية، خاصة من قبل أهلها الذين يلبسونها في الغالب "شدة" العروس، أي "القفطان" التقليدي الذي تشتهر به منطقة تلمسان مزين بمختلف حليه وجواهره وكأنها عروس في ليلة زفافها. وتطوف بعد ذلك رفقة أحد أفراد العائلة بمختلف منازل الأحباب والأقارب في زيارات ودية، تنال خلالها ودهم وكرمهم، الشيء الذي يجعل الشوارع الرئيسية لمدينة تلمسان تزدان بمرور براعم من الصبايا في حلل وحلي تقليدية على شكل عرائس صغيرة، لزيارة الأقارب أوالتوجه نحو محلات التصوير من أجل التقاط صور تذكارية رفقة البعض من أهلها. وفي المساء، وبعد وجبة الإفطار التي تكون مزدانة بمختلف الأطعمة والحلويات، تنظّم الأسرة ليلة سمر على شرف الصائم الصغير بحضور المدعوين من الأقارب والجيران. وإن كانت هذه العادات بدأت تضمحل، بسبب تعقد المجتمع وفتور الروابط بين الأسر والجيران كما كان الشأن في الماضي، حسب نفس الجدات الا أنها لم تخف تعلقها بتلك العادات الحميدة والتقاليد العريقة.