اتخذ قطاع التعليم العالي والبحث العلمي تدابير استعجالية في سبيل رفع مستوى التحصيل المعرفي، وتخرج كفاءات وطنية مؤهلة للعمل المباشر، وترقية الأداء الاقتصادي دون المرور الإجباري برسكلة إضافية مكلفة للوقت والمال. وجاءت التدابير التي كشف النقاب عنها الاجتماع التقييمي، الذي ترأسه مؤخرا رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، ضمن الإصلاحات التي تهدف إلى جعل الجامعة الجزائرية منتجة تخرِّج أجيالا طلابية ذات مستوى تعليمي عالي يحسب لها الحساب ويعترف بشهادتها في كل الظروف. ولم يعد يقبل في ظل المتغيرات الراهنة وسيطرة اقتصاد المعرفة على كل كبيرة وصغيرة، السير على القاعدة السلبية التي سادت لعقود وسنين قوامها ڤالتكوين من أجل التكوين''. لم يعد مسموحا الاكتفاء بتخرج طلبة متحصلين على تكوين نظري لا يلبي الحاجيات الوطنية، ولا يقدم أي شيء للمؤسسة التي تشترط تخصصات وشعب تراهن عليها في فرض الوجود، والتنافس على خلق الثروة والقيمة المضافة والعمل. على هذا الأساس، تَقرر ضمن الإصلاح الجامعي فتح أقسام تحضيرية للمدارس الوطنية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، والاقتصاد والتجارة والتسيير الذي يعد المشكل العويص للمؤسسة الجزائرية التي لم تستطع بعد التحرر من كابوس الرداءة والترقيع، ولم تتسلح بفنون التسيير الإداري وعلميته الذي يسمح لها الخروج من الاتكالية والوساطة إلى الإنتاج بروح الإبداع والابتكار معيار النجاعة الأبدي، وتوديع حالة الندرة والكساد بصفة نهائية. وتقرر أيضا في جهود الإصلاح، فتح أقسام تحضيرية مدمجة في الإعلام الآلي والهندسة المعمارية، وإنشاء مدارس عليا متخصصة في التكنولوجيا والصحافة والعلوم السياسية والإدارة. وتكشف هذه التدابير كم هو مهم العودة إلى نظام المدارس العليا التي خرّجت إطارات تولت مهام قيادية، ورافقت أيام العز والشأن، من خلال مساهمتها في رفع مستوى العمل وترقية المهنة والوظيفة بعيدا عن التسيب والإهمال. وتكشف لماذا العودة إلى هذا النظام، بعد أن عمت الرداءة كل المجالات، واستحوذ أناس غير مؤهلين على مراكز القيادة والتسيير مبقين على وضعية في أدنى المستويات والمراتب، في ظل تراكمات مشاكل وأزمات تسوى فقط بالاعتماد على أهل الاختصاص والكفاءة، دون حسابات واعتبارات أخرى لا تدخل ضمن التقييم العلمي المعرفي. وتوضح المدارس العليا المختصة مدى جدوى الاستثمار في الموارد البشرية التي تبقى مفتاح التطور والإنماء، وجوهر التغيير وغايته الأسمى، وهو الجانب المهم في إنجاح كل سياسة وطنية، وبلوغها المقصد دون الاكتفاء بالتكنولوجيا. فليس من الغرابة في شيء أن يعتمد على الموارد البشرية في قياس درجات تطور الأمم، وتصنيفها الدوري. وليس اكتشافا القول أن الموارد البشرية باتت المعيار الأساسي في ترتيب الدول على أساس واحدة متقدمة وأخرى ناشئة. وتقرر التخلص من التقسيم التقليدي السابق الذي يضع حدودا فاصلةً بين دول متخلفة ومتقدمة فقط، والاكتفاء بالحديث على الدول النامية على أنها من العالم الثالث بمفهوم واسع، يضع جميع أمم الجنوب التي خضعت لاستعمار متعدد الأشكال في سلة واحدة، بالرغم من درجة التفاوت والتطور والتنوع. في هذا الإطار، جاء القرار الحاسم بإنشاء مدارس عليا مختصة لا تكتفي بالتعليم العام الشامل. وعزز القرار إجراء تكوين المكونين لتحسين نوعية التأطير، وهي مسألة مدرجة في مخطط تكوين المكونين، بدءًا من الموسم الجامعي الجديد الذي هو على الأبواب لاستقبال ما يقارب 2,1 مليون طالب، منهم 134981 من الحاملين الجدد لشهادة البكالوريا.