بفشله وفشل مبعوثه الرئاسي جورج ميتشل في فرض هيبة بلاده بما يكفي لامتثال دولة الاحتلال الإسرائيلي لمطالبته التي أعلنها على الملأ بتجميد كامل للتوسع الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربيةالمحتلة لنهر الأردن، ثم تبنيه للشروط المسبقة الأساسية التي أعلنها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من أجل التفاوض مع المفاوض الفلسطيني حول استئناف المفاوضات، لم يترك الرئيس الأميركي باراك أوباما، مدعوما بڤالرباعية الدوليةڤ، أي مساحة للمناورة أمام هذا المفاوض غير الإذعان لمطالبته الملحة باستئناف عاجل للمفاوضات ڤعلى الفورڤ وڤدون شروط مسبقةڤ، ليسقط بذلك أي قناع زائف بحيادية الوسيط الأميركي ونزاهته بين طرفي الصراع، ويمزق بفظاظة أي مصداقية باقية للمفاوض الفلسطيني الذي يبدو كمن يساق سوقا بلا حول ولا قوة إلى مفاوضات عبثية مرة أخرى. علق تقرير للأسوشيتدبرس بالقول إن موقف أوباما هذا إنما ڤيخاطر بتعزيز العناد الإسرائيلي ويفاقم الضعف الفلسطيني، بينما وصف المحلل الإسرائيلي ألوف بن في صحيفة هآرتس موقف أوباما في قمة نيويورك مع نتنياهو ومحمود عباس الثلاثاء الماضي وكذلك خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في اليوم التالي بأنه كان ڤيعيد تدوير الشعارات المستعارة من أسلافهڤ وكان يعاني من ڤالمرض المزمن لمبادرات السلام الأميركية السابقة في المنطقة وهو الغموض البناءڤ حسب مصطلح وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، قابلة اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية. خلال جولة ميتشل الرابعة في المنطقة أوائل الشهر الجاري وبعدها، كان لافتا للنظر حرص مفاوضي منظمة التفاوض الفلسطينية على إبراز فشلهڤ في إقناع حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي بتجميد التوسع الاستيطاني اليهودي كعنوان للنتائج التي تمخضت عنها هذه الجولة، لكن مقياس الحكم على فشل ميتشل أو نجاحه هو الهدف منها، وقد كان هدف جولته هو إقناعڤ منظمة التحرير ورئيسها عباس بالاستجابة لدعوة رئيسه أوباما إلى قمة ثلاثية مع نتنياهو الذي لم يكن بحاجة إلى إقناع لأن استئناف الاتصالات والمفاوضات مع المنظمة ورئيسها ڤدون شروط مسبقةڤ كانت مطلبا متكررا له ولحكومته عبر هذه القمة أو غيرها من أجل رمي الكره في ملعبهما لتحميلهما المسؤولية عن عدم استئناف عملية التفاوض التي يضغط المجتمع الدولي بكل ثقله من أجل استئنافها. وقد نجح ميتشل في مهمته، ولم يفشل، وانعقدت هذه القمة الثلاثية في الثاني والعشرين من الشهر في نيويورك، وحضرها عباس، بالرغم من معارضة فصائل العمل الوطني كافة، سواء تلك المؤتلفة في إطار منظمة التفاوض برام الله وخارجها أم تلك المعارضة لها خارج إطارها في غزة أم خارجها، وبالضد من حوالي (٪80) من الشعب الفلسطيني الذين لا يؤيدون الولاياتالمتحدة، و (٪69) منهم الذين لا يؤيدون الرئيس الأميركي أوباما شخصيا، و(٪56) منهم ممن لا يتوقعون منه أن يحرز أي تقدم في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أرض فلسطينية محتلة عام ,1967 حسب أحدث استطلاع للرأي أجراه معهد السلام الدولي الذي يرأسه تيري رود لارسن، الوسيط الأممي السابق المخضرم منذ توقيع اتفاق أوسلو المؤيد ڤللسلام وأوسلو وأصحابها في منظمة التفاوض وأميركا، ولم تجره أي جهة يمكن اتهامها بالعداء للسلام أو للمنظمة أو لأميركا. لذلك فإن نفي المنظمة المتكرر لموافقتها على حضور قمة نيويورك كان يفتقد المصداقية منذ البداية، ولم يكن ترويج ڤفشلڤ ميتشل كافيا لإضفاء أي صدقية على هذا النفي، فقد كان حضور عباس لهذه القمة أمرا مفروغا منه، مثله مثل استئناف المفاوضات بعد هذه القمة بالشروط الأميركية ؟ الإسرائيلية، بحكم ارتهان المفاوض الفلسطيني للوساطة الأميركية وارتهان تعويم سلطة الحكم الذاتي التي يقودها في رام الله للدعم السياسي والاقتصادي والأمني الأميركي، ولهذا السبب نفسه فإن نفي المفاوض الفلسطيني لكون قمة نيويورك استئنافا للمفاوضات ،لأنها كانت بروتوكولية فقط، لا يتمتع بأي مصداقية أيضا. ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء الماضي وصف أوباما قمة نيويورك بأنها كانت ڤبناءة، وبأنها أحرزت بعض التقدمڤ، مما يعني أنها لم تكن بروتوكولية، ثم أضاف بأن ڤالوقت قد حان لإعادة إطلاق المفاوضات دون شروط مسبقةڤ، وهذا مطلب نتنياهو وشرط مسبق له لاستئناف التفاوض على استئناف المفاوضات، قبل أن يعترف أوباما من فوق المنبر الدولي الأهم بدولة إسرائيل اليهودية، وهو ما رفض أن يعترف به هاري ترومان الذي كان أول رئيس أميركي بل وأول رئيس دولة في العالم يعترف بهذه الدولة، وهذا مطلب نتنياهو الثاني وشرط مسبق له، بينما كان إصرار أوباما على استئناف سريع للمفاوضات قبل تلبية شرطه المعلن بتجميد كامل للاستيطان من أجل استئنافها تلبية لمطلب ثالث لنتنياهو ولشرط مسبق له. وقال أوباما أيضا إن ميتشل سوف يجتمع هذا الأسبوع مع فريقين فلسطينيي وإسرائيلي، لمتابعة ڤالتقدم في قمة نيويورك، مضيفا أن وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون سوف ترفع له تقريرا عن نتائج هذه الاجتماعات في منتصف الشهر المقبل. ومرة أخرى نفى المفاوض الفلسطيني أن هذين الوفدين سوف يلتقيا قائلا إن محادثاتهما ستقتصر على اجتماعات ثنائية لكل منهما مع الوسيط الأميركي. لكن أوباما وميتشل سارعا إلى الطعن في مصداقية النفي الجديد ولم يتركا مجالا للمناورة أمام مفاوض منظمة التحرير عندما حث الأول على استئناف مفاوضات الوضع النهائي على الفوروصرح الثاني بعد قمة نيويورك بوضوح لا لبس فيه بأن تجميد التوسع في المستوطنات التي وصفها رئيسه في خطابه بأنها ڤغير شرعيةڤ ليس شرطا مسبقا لاستئناف المحادثات، وقد ترك الرجلان لرام إيمانوئيل، الذي وصفته النيويورك تايمز بأنه رئيس موظفي البيت الأبيض الأكثر نفوذا طيلة عقود من الزمن، مهمة تهديد مفاوض منظمة التحرير بحركة ڤحماسڤ بقوله إن هذا المفاوض إذا لم يحرز تقدما بالانخراط في عملية صنع السلام فإنه سيعطي لحماس وغيرها من ڤأعداء عملية السلامڤ في المنطقة سلطة ڤالفيتوڤ عليها! ويوم الخميس الماضي انضمت ڤالرباعية الدوليةڤ إلى حملة الضغط الأميركية، لڤترحبڤ في بيان رسمي بقمة نيويورك باعتبارها خطوة ڤهامةنحو إعادة إطلاق مفاوضات مباشرة وثنائية ولتعرب عن ڤمشاركتهاڤ لأوباما في إحساسه بالإلحاح والاستعجال في استئناف المفاوضات، ولتعلن عن ڤدعمها الكامل له في جهوده المتسارعة لخلق الظروف لاستئناف المفاوضات في الأجل القريب.ڤ وهؤلاء هم من تراهن عليهم منظمة التفاوض الفلسطينية، وكما يقول المثل الغربي، إذا كان أصدقاء المرء مثل هؤلاء، فإنه ليس بحاجة إلى أعداء . وإذا كانت شروط نتنياهو الثلاثة أعلاه، بالإضافة إلى إعلان رفضه للعودة إلى حدود الرابع من حزيران / يونيو عام ,1967 وإصراره على استئناف المفاوضات من ڤنقطة الصفرڤ، ورفضه القبول برؤية حل الدولتين إلا إذا كانت الدولة الفلسطينية مفصلة على مقاس أمن دولة الاحتلال، وإعلانه أن القدس الموحدة المعلنة من جانب واحد عاصمة أبدية لدولته وكذلك قضية اللاجئين الفلسطينيين ليستا قابلتين للتفاوض .. إذا كانت هذه الشروط قد دفعت عباس إلى الاستنتاج بأنه ڤليست هناك أرضية مشتركة للحديثڤ مع حكومة نتنياهو، فإن المنطق يستتبع أن يسحب عباس استنتاجه هذا ليشمل إدارة أوباما أيضا التي قبل رئيسها بمعظم هذه الشروط، بل ويضغط عليه من أجل استئناف المفاوضات على أساسها ڤدون شروط مسبقة )فلسطينية طبعا.ڤ( لكن متى كان المنطق على إطلاقه، أو المنطق الوطني الفلسطيني أو الرأي العام الشعبي هو الذي يحكم قرار المفاوض الفلسطيني؟!