رغم الظلم والغدر، وقلب الحقائق وتغيير شكل المكان الذي يجري منذ عقود في مدينة القدس، ومواصلة التهام الكيان الصهيوني لأولى القبلتين، ومحاصرتها بالمستوطنات والجدار العازل، فإن ذلك كله لم يثنِ عزيمة المرابطين للتنادي وإشهار وثيقة العهد ''عهد الوفاء للقدس'' وقّعوا عليها بالدم. القدس نور يشعّ على العالمين، شموخاً على مر الأزمنة، وذاكرة تاريخ يروي هزائم الغزاة وانتصارات سيوف الحق، وما زالت بصمودها تحتضن كل عشاق الحرية والفضيلة. في القدس يصدح نداء الله أكبر، وأجراس الكنائس تمجّد أرض السلام، أما حماتها المرابطون، يقيمون الصلاة وأياديهم قابضة على جمر الصبر، بصدورهم يواجهون أعداء الإنسانية، ويصدّرون للعالم مفاخر التمسّك بالأرض. قوافل الشهداء، يدفعون من دمائهم مهر القدس الغالي، يزغردون لعلاء أبو دهيم وحسام دويات في عرسهما تحفّهما مواكب الإباء والإيثار. انطلقت شعلة الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية ,2009 حملت عنوانها الملحميّ على سواعد وأكتاف شبابها وشيبها، أدباء وكتّاب وفنانين وباحثين ليعلنوا من وراء الحدود طقوس تلاحمهم مع القدس، أرضاً وتاريخاً وحضارة. شعلة لن تنطفئ، انطلقت من سفوح قاسيون العروبة، لتضيء أرجاء الوطن العربي والعالم الإسلامي، ليس على مدار عام الاحتفالية فقط، بل وحتى تحقيق انتصارها الكبير، شعلةٌ تعيد لقدسنا مكانة الصدارة.. لا شرقية ولا غربية، جسد واحد، عنوانه تضحية وإخاء وصمود، ورفض المقايضة أوالتنازل عن أي شبر منها.. على قدر عظمة المدينة المقدسة، فالشعلة التي انطلقت تعلن تضافر الجهود جميعاً، لا تنتظر صناديق هبات وتبرعات. من الواجب، وعين الصواب أن يبدأ العمل لبناء مشروع ''صندوق الرباط'' يحقق دعم وتنفيذ المشاريع الطموحة لصالح المدينة الصامدة، ويفرض على الجميع الالتفاف وتشكيل لجنة عربية إسلامية نزيهة وشفافة، وإنشاء جمعيات تحمي القدس من التهويد، ومد يد العون للمقدسيين وتوفير فرص العمل لهم، وأسباب الصمود حتى لا يهاجر الشباب، ولا يستكين أو يستسلم أهلها لأحبار الشر في العالم. يبقى الأمل حيّاً أن يتوّج العمل المخلص بخطوات عملية، تضمن بقاء هوية وأصالة القدس مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورسالة نبيّ المحبة عيسى عليه السلام، وبذلك نقدّم أول عربون وفاء للعهد لتخليص القدس من أسر الشياطين. من ذرى جبل المكبر تراها درة تتألق، كلما اقتربت منها تزداد معالمها بهاء، ويأتيك عبق التاريخ على وقع خطوات من رحلوا على درب الآلام، تقرأ على جدرانها نزف جراح نبيّ المحبة، رافضاً منطق الأسياد والعبيد، معلناً ثورة السلام في وجه دعاة الحروب والدمار. رويداً تقودك الطرقات إلى ساحات حرم الأقصى، تعيش سويعات كأنها الدهر، بين صلاة ودعاء، وبين فيض مهج جريحة غاضبة من قبضة الأسر ودنس المجرمين. مراتب القدس عالية يباركها الرحمن، حصن يرص الصفوف للجهاد الأكبر، يزكي النفوس ويطهرها من التلوث، ويعدها لعرس الجهاد والشهادة. القلوب تتلهف شوقاً بانتظار يوم تُقرع نواقيس الزحف الكبير، تتقدم المواكب الزاحفة شعلة لا ولن تنطفئ، تزداد إشعاعاً عندما نعود مرفوعي الرؤوس، ننفض عن كواهل الأمّة ذلّ السنوات العجاف، ونسقط كل أسفار التنازل والتفريط.. القدس لنا، نحميها معاً.. نستعيدها معاً.. ولا بديل عن الأرض الطاهرة المباركة مهما تعاظمت العواصم.. فهي موطن الحنين وعرين أسود لم يرضوا بالضيم، فلنكن عوناً لهم، وأيادٍ تمدهم بأسباب الحياة الكريمة، ولتكن شرايين الرؤى نبض شواهد حية لا تفتّ من هممها كنوز العالم، مهما اشتدت وطأة الهجمة الشرسة، ومهما تبدّلت وسائل الإغراء والإغواء