يعتقد الخبير الاستراتيجي، البروفيسور محمد سعيد مكي، أن المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر وصل إلى طريق مسدود، لذلك قرّر أنطونيو غوتيرس استبداله بسلام فياض، ويرى بأن الدول الغربية تنصلت من الأزمة الليبية بعدما تسببت فيها بشكل مباشر، ويؤكد أن الجزائر ودول الجوار قادرون على تقديم حلول نوعية تؤدي إلى تسوية سلمية شاملة. التفاصيل في هذا الحوار مع جريدة «الشعب». «الشعب»: اقترح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرس، تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا خلفا لمارتن كوبلر، ماهي الدلالات؟ وهل يعني ذلك أن الدبلوماسي الألماني فشل في مهمته؟ البروفيسور محمد سعيد مكي: أعتقد أن غوتيرس ورغم حداثة تواجده على رأس منظمة الأممالمتحدة خلفا لبان كي مون، رأى أن الأزمة الليبية ملف شائك جدا وملغم وأن مارتن كوبلر وصل إلى طريق مسدود، حيث لم ينجح منذ تعيينه في حل الخلافات الجوهرية بين الفرقاء الليبيين، وبدا وكأنه منحاز لجهة على حساب أخرى بعدما رفض طيلة الأشهر الماضية أي دور للمارشال خليفة حفتر في العملية السياسية، لم يقدم أشياء جديدة أو جدية لتحريك عجلة الحل، لذلك يمكن القول إن غوتيرس لم يقتنع بعمله واقترح استبداله. كوبلر وصل إلى طريق مسدود وقبله بارنار دينو ليون واجه صعوبات بالغة في السير بالوساطة الأممية إلى برّ الأمان، ألا يعني ذلك أن الفشل مرتبط أساسا بمنظمة الأممالمتحدة التي لم تعد قادرة على تقديم أفكار مفيدة لمسار التسوية؟ @@ فشل الأممالمتحدة بدأ منذ إصدار القرار 1973 الذي أعطى للناتو الضوء الأخضر لتخريب ليبيا كلها وإسقاط الدولة المركزية، وكانوا يعتقدون أن تفتيت وتشتيت الشعب سيكون أمرا سهلا. ونلاحظ اليوم أن الغرب وأوروبا على وجه التحديد متنصلة من الأزمة الليبية، ومنكبة على مشاكلها فهي متخوفة من التقارب بين بريطانيا الذي غادرت الاتحاد الأوربي والولاياتالمتحدةالأمريكية بقياة الرئيس دونالد ترامب، الذي طالب دولا أخرى كفرنسا وألمانيا بمغادرة البيت الأوروبي لأنه لا يريد أن تكون أوروبا ندا لبلاده، كما أن التوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية تميل إلى سياسة انعزالية وتشعر دائما بخطر خارجي محدق بها. كان هدف القوى الغربية وعلى رأسها فرنسا بقيادة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي يتجاوز الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، حيث وضع تقسيم هذه الدولة وخلق ممرا آمنا إلى دارفور (السودان) ونهب الثروات ضمن الأجندة، ولكن ورغم تردي الأوضاع بشكل بالغ رفض الشعب الليبي أن تقسم بلاده ولازال متمسكا بوحدته. بالعودة إلى جهود الأممالمتحدة التي بدلتها في إطار الوساطة التي تشرف عليها، لا نجد شيئا مهما أنجز، عدا اتفاق الصخيرات الذي لم يكن في مستوى التطلعات وظهر أنه غير قابل للتنفيذ في شكله الحالي الذي يقصي المارشال خليفة حفتر من أي دور مستقبلي. لمذا رفضت واشنطن سلام فياض؟ لماذا رفضت واشنطن سلام فياض؟ أقترح الفلسطيني سلام فياض كخليفة لمارتن كوبلر، واعترضت الولاياتالمتحدة على ذلك، لماذا فكر أنطونيو غوتيرس في هذه الشخصية العربية برأيك؟ وماهي الصفات المطلوبة في أي مبعوث جديد لينجح في تولي الملف الليبي الشائك؟ @@ أولا أظن، أن الأمين العام للأم المتحدة، تسرع في اقتراح تعيين سلام فياض ولم يأخذ كامل وقته. يبقى أن اختياره لهذه الشخصية دلالة مفادها أن المنظمة الأممية تريد مبعوثا من المنطقة العربية، أضف إلى ذلك ميزته الخاصة بكونه فلسطينيا وسيحظى بقبول أغلب الأطراف نظرا للمكانة التي تحتلها فلسطين لدى البلدان العربية. والولاياتالمتحدةالأمريكية، رفضت فياض لأنها لا تريد أن تدخل فلسطين على الخط وأيضا لأنها لا تعترف بها كدولة ذات سيادة في الطرف الراهن وترى فيها مجرد سلطة إدارية تتولى شؤون الفلسطينيين لذلك رحبت إسرائيل بموقف ممثلة الإدارة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي. وأعتقد أن للأمر علاقة بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي المرتقبة إلى أمريكا للقاء الرئيس ترامب، ولا يريد الأخير القيام بأية خطوة من شأنها تعكير العلاقات مع الكيان الصهيوني رغم تحفظه على قرارات استئناف الاستيطان. في المقابل، يبقى لمنظمة الأممالمتحدة الحقّ في الاستعانة بشخصيات ناجحة ولديها الكفاءة لإدارة ملفات معينة دون مراعاة انتماءاتهم، وفي حالة ما إذا سقط مقترح فياض، أعتقد أن دبلوماسيين من أمريكا اللاتينية أو إفريقيا بإمكانهم لعب دور إيجابي جدا في تحريك مسار التسوية، بالنظر إلى القبول الذي يحظون به في ليبيا منذ العقود الماضية. يعتبر المارشال حفتر، أحد الأسباب الرئيسية التي حالت دون تنفيذ اتفاق الصخيرات، ولا يمرّ يوم إلا وتزداد قوته كجزأ لا يتجزأ من الحل، كيف استطاع هذا العسكري أن يفرض نفسه في المشهد الليبي؟ @@ الأمر مرتبط بسوسيولوجيا الجيوش، حيث أن أغلب النخب في المنطقة العربية تكون عسكرية بالدرجة الأولى، وحفتر كان ضابط ساميا منذ زمن القذافي ولديه خبرة طويلة بعدما تكون في روسيا وبعدها أمريكا، والحقيقة أن لديه قبول واسع في ليبيا من مختلف القبائل. كما أظهر براعة استراتيجية في الحرب على الإرهاب وتحرير عدة مدن وأحياء من قبضة التنظيم الإرهابي المسمى «داعش»، وأبرز انجازاته كانت استعادة منطقة الهلال النفطي والمنشآت البترولية وتسليمها للجهات الرسمية لاستغلالها بشكل قانوني عكس ما كانت تفعل الملشيات المسلحة التي كانت تبع نفط البلاد في السوق السوداء وهذا أعطاه مصداقية أكبر. ومن المهم التأكيد أن المارشال حفتر، كان مدعوما منذ عودته للمشهد من قبل مصر، ومؤخرا حظي بدعم علني من طرف روسيا التي راجعت حساباتها بشأن ليبيا وتريد تصحيح الأخطاء التي قامت به في السابق، خاصة عدم استخدامها للفيتو ضد القرار الذي سمح للناتو بتدمير البلاد، واستقبل حفتر على متن البواخر الحربية الروسية التي كانت تعبر المتوسط في الأشهر القليلة الماضية. ولا يجب أن ننسى أن حفتر قدم إلى الجزائر، وترخست قناعة الجميع بدوره المركزي على رأس القوات المسلحة في أية عملية تسوية أو مرحلة انتقالية مقبلة، بالنظر للمعطيات التي ذكرتها. في ظلّ الركود الذي بلغته جهود الأممالمتحدة، عاد الإتحاد الإفريقي في قمته الأخيرة للمساهمة في جهود التسوية في ليبيا من خلال تشكيل لجنة رفيعة المستوى تعمل بشكل دائم على الملف، إلى أي مدى يمكن أن يساهم الأفارقة في مساعدة الليبيين على تجاوز أزمتهم؟ @@ مثلما قلت سابقا، القوى الغربية باتت منكبة على نفسها، ودور أمريكا مرشح للتراجع بشكل أكبر خاصة بعد تصريحات ترامب التي طلب فيها من الناتو وبعض البلدان تسديد مقابل مادي نظير ما يبدله الجيش الأمريكي، ومع عودة روسيا القوية إلى المنطقة يمكن أن نلحظ دور فعالا للبلدان الإفريقية. ولكن، بالعودة إلى الوراء نجد أن الاتحاد الإفريقي قدّم مبادرة منذ البداية كانت حظوظها قوية في التوصل إلى حل وحتى القذافي قبل مبدئيا الحلول التي حملها له مبعوثو الهيئة القارية ولكن الناتو أتى على كل شيء. الآن هناك مبادرة جديدة، ظهرت في اجتماع برازافيل قبل القمة 28 للاتحاد الإفريقي تعول على جهود دول الجوار الترويكا الجزائر، تونس ومصر بالنظر لمعرفتها الدقيقة بالوضع داخل ليبيا وعلى الحدود ويجري التحضير لقمة ثلاثية بين البلدان الثلاثة وأعتقد أنها منهجية عمل إيجابية ويمكن أن تحقق نتائج. المتابعون لجهود الجزائر التي تبذلها منذ أشهر، يقولون أنها عودة قوية للدبلوماسية الجزائرية في إدارة الملف الليبي، ألا يمثل ذلك اعترافا بمحورية الدور الجزائري في هذه الأزمة؟ @@ لا أعبر عنها بالعودة القوية للدبلوماسية الجزائرية، لأن في أيام حوار الصخيرات، كانت هناك مبادرة جزائرية تعمل في الخفاء واستقبلت بلادنا في عهد المبعوث الأممي السابق برنار دينو ليون، حوالي 200 شخصية ليبية وعملت على تحضير كل ما يسمح بالذهاب نحو حل سياسي بعدما استشرفت فشل اتفاق الصخيرات. ورغم انشغال الجزائر بالملف المالي آنذاك، لم تدخر أي جهد في العمل على إحداث التوافق بين الفرقاء الليبيين، ويعلم الجميع أن للجزائر دور محوري في مواجهة التحديات الأمنية في المنطقة وتقدم مساعدات كبيرة للجارة تونس لمواجهة المخاطر التي تهدّدها على الحدود الليبية، وبالتالي فهي في الموقع الطبيعي والأنسب لتقديم الدعم اللازم الذي يساعد كافة الأطراف في ليبيا للذهاب نحو حوار سياسي شامل. وتعمل الجزائر على إشراك كافة الأطراف الرسمية وغير الرسمية في ليبيا وحتى الجماعات الإسلامية التي تنبذ التطرف والإرهاب وتريدها ترك السلاح والتحول إلى النشاط السياسي كي تكون ممثلة في المؤتمر الشامل الذي سيعقب القمة الثلاثية بين الجزائر، تونس ومصر في حال سار الأمور في الاتجاه الصحيح. وتركز الجزائر على حصر الحوار ليكون ليبي - ليبي وفي بعده العربي والإفريقي. المصلحة الوطنية أولى من الحسابات في خضم الجهود الإقليمية والدولية الهادفة لتنظيم حوار سياسي شامل، تبقى الأوضاع الميدانية مقلقة للغاية، ألا يعتبر ذلك دافعا لليبيين لتقديم التنازلات من أجل المصلحة العليا للبلاد؟ @@ فعلا الوضع الميداني خطير جدا، وازداد تفاقما مع هروب آلاف المنتمين لتنظيم داعش الإرهابي من سوريا إلى ليبيا، ونلاحظ هذه الأيام عودة المواجهات العنيفة إلى العاصمة طرابلس بحثا عن التموقع، كل هذا يزيد من مآسي الشعب ويؤخر عودة إنتاج النفط بالشكل المطلوب الذي يسمح بتوفير مداخيل مالية للبنك المركزي وينهي أزمات دفع أموال الموظفين، وأي تأخير في التسوية السلمية يفاقم الأوضاع بشكل أكبر، لذلك لابد من توحيد الصفوف والذهاب نحو مرحلة انتقالية بمؤسسات شرعية تعيد بناء الدولة الليبية.وحدتها واستقرارها.