فضيلة دفوس لا يبدو بأن إيران قد ترضخ يوما للضغوط الغربية وتكبح جماح طموحها النووي، بل على العكس تماما فرغم لغة التهديد والوعيد التي يتبناها الغرب والعقوبات التي يفرضها وسيف الذرية المسلط عليها، إلا أنها مازالت متمسكة ببرنامجها النووي السلمي، مصّرة على المضي في إنجاز مشاريعها في هذا المجال واعتبار الهجمة الغربية لكسر مقاذفها النووية مجرد تسلط وتجبّر من كبار العالم الذين يريدون احتكار التطور العلمي والنووي لأنفسهم ليتحكموا من برجهم العالي في رقاب باقي الشعوب، ويغلقوا ناديهم في وجه كل من تُشتَّم منه رائحة الاسلام، ويمارسون معاييرهم الانتقائية الازدواجية العرجاء، فيفتون بتجريم هذا النظام ومنعه من حقه في التطور النووي ويساعدون الصهاينة على بناء ترسانتها النووية فوق أرض فلسطين لتهديد الأمة العربية. نظام إيران يبدو عصيا على التركيع أو الترويع، فلا الجزرة نفعت لاستمالته ولا العصا أفادت في استجابته للشروط التي يفرضها الغرب، بل على العكس تماما، فها هو يتحدى الغطرسة الغربية التي تحشر أنفها في شؤونه الداخلية ويعلن بكل جرأة عزمه على بناء عشرة مفاعلات نووية جديدة، كما يؤكد حرصه على أن يتولى بنفسه تخصيب اليوارنيوم، وقبل ذلك كان قد كشف عن منشأة نووية جديدة أتمّ بناءها في فورد وقرب قم. نظام الملالي لا يكثرت بجعجعة الغرب لسبب أساسي وهو ثقته بنفسه، ثم وهو الأهم لاقتناعه بأن هذا الغرب المتعالي جبان في الأصل ولن يتجرأ على ضربه أو إعلان الحرب عليه كما فعل مع العراق، لإدراكه تمام الإدراك بأن إيران تملك من القوة العسكرية ما يؤهلها للدفاع عن نفسها، بل وما يؤهلها لأن تصبح أفغانستان جديدة وتتحول أرضها الى مقبرة أخرى لهؤلاء الذين يسلطون أسلحتهم الفتّاكة والمحرمة دوليا ضد المسلمين بمناسبة وبدونها. إيران التي تُراوغ وتماطل وتتحدّى، مقتنعة كل الاقتناع بأن أكبر شر يمكن أن يلحقها من الغرب هو فرض مزيد من العقوبات عليها وهو إجراء -كما قالت- لم يعد يجدي نفعا في هذا العصر وآن الآوان لحفظه في متحف التاريخ، كما يمكن لهذا الغرب حسب قناعتها أن يلجأ إلى هز وضعها الداخلي بمؤامرات خسيسة مثلما حصل في الصائفة الماضية، إثر الاعلان عن نتائج الرئاسيات وتتويج نجاد بولاية جديدة، وهي تنتظر مثل هذه المؤامرات ومستعدّة كل الاستعداد لإجهاضها. أما إعلان الحرب عليها، فهو احتمال تستبعده، إلاّ إذا استهدفت بضربة خاطفة مباغتة من طرف إسرائيل التي تضرب وتختبئ في جحرها، لكن حتى هذا الاحتمال، فطهران لا تتوقعه بالمرة لكون إسرائيل تدرك تمام الادراك بأن حماقة من هذا النوع قد تكلفها وجودها بالكامل، فهي لن تقف مكتوفة الأيدي مثلما فعل العراق لما دمر الصهاينة مفاعله النووي. إيران لا تكترث بتهديدات الغرب، لأنها متأكدة بأنه لن يفعل معها ما فعله مع العراق الذي لم يتخذ القرار بغزوه، إلا بعد أن تأكد من خلال فرق التفتيش المأجورة بأنه لا يملك سلاح الدمار الشامل أو أي سلاح لمجابهته، أما هي فالغرب شبه متيقن بأنها تملك ترسانة أسلحة تمكنها من جعله يندم على اليوم الذي سيفكر فيه بضربها، تماما كما هو نادم على تدخله العسكري في أفغانستان التي هي بحق مقبرة لأعتى الإمبراطوريات. الغرب يهدد بمزيد من العزلة، لكن الجمهورية الفارسية أعّدت العدة لمجابهة مثل هذا القرار بمد نفوذها في العديد من المناطق وهي تقف وراء الكثير من الحركات والمنظمات المنتشرة هنا وهناك في مناطق الأزمات وبؤر التوتر حتى تجعلها كوسيلة ضغط ومساومة ودفاع عما تعتبره حقها المشروع في التطور النووي. وبين التهديد الغربي والتحدّي الإيراني تبقى الأيام مفتوحة على جولات من المواجهة والمجابهة والمفاجآت.