الاستثمار في الطاقات الظاهرة بدل استنزاف الثروات الباطنية أطلق الدكتور بشير مصيطفى ورشة اليقظة السياحية داعيا إلى التحضير لانجاز النهوض بهذا القطاع البديل بامتياز للمحروقات في أفاق 2030 مع الحرص على تجسيد التحول الاستراتيجي في المدى القصير تأسيسا لاقتصاد سياحي وفقا لخطة طريق تشمل كافة الولايات بحسب الخصوصيات الجغرافية والمناخية والبلدان التي يراهن على استقدام سياحها، داعيا إلى تأسيس بنك للسياحة يتولى تمويل الاستثمار ومرافقة المشاريع من اجل تدارك التأخر وبلوغ الأهداف المسطرة في أجالها مع الانفتاح على المجتمع لاحتضان قطاع لم يعد بإمكان دواليب الإدارة الجافة حمله. فجّرت الندوة التي نشطها، أول أمس، ضمن مبادرة صناعة الغد ونظمتها اسبوعية السياحي نقاشا مستفيضا عكس مدى الأهمية التي تكتسيها السياحة في بلادنا مبرزا ضرورة إشراك كافة الفاعلين من مستثمرين ومؤسسات وإعلام إلى جانب الفاعلين في المجتمع مثل المدرسة والمساجد والخبراء في تعبيد طريق التحول الاقتصادي من خلال جسر السياحة للعبور إلى النمو وهو خيار في المتناول إذا ما تضافرت الجهود وارتقى الأداء إلى الاحترافية. لذلك دعا مصيطفى إلى السهر على تحريك القطاعات الراكدة بالاستثمار في الطاقات الظاهرة كالثروة السياحية والطاقة الشمسية والتوقف عن استغلال الطاقة الباطنية مثل النفط والمناجم سعيا لتأسيس مسار النمو المستديم مما يجعل السياحة محورا أساسيا للحكومة في بلوغ هدف النمو المسطر. قبل أن يتناول معالم المستقبل لقطاع عانى من الركود لسنوات قدم الخبير صورة لمؤشرات المشهد الاقتصادي مسجلا بعض المعدلات التي تستنهض الهمم من بينها التضخم بنسبة 6,8 بالمائة سنة 2016 مقابل 2,2 بالمائة في 2014، والبطالة مستقرة عند 10,6 بالمائة بعد ان كانت بمعدل 9,6 بالمائة قبل سنتين فيما يتوقع نسبة نمو عند 1,9 بالمائة في 2017 مقابل 3,9 بالمائة في 2016. أما الصادرات فقد بلغت 27 مليار دولار مقابل واردات بلغت 43 مليار دولار مما احدث عجزا تجاريا انعكس سلبا على ميزان المدفوعات. تنشيط محركات النمو المعطلة غير أن هناك من جانب آخر مؤشرات ايجابية تجعل بالإمكان إحداث الحركية المطلوبة أبرزها كما لاحظه المحاضر التوازنات الحالية ذات الوضعية المقبولة مثل تدني المديونية الخارجية والداخلية التي لا تتجاوز 9,9 بالمائة من الناتج الداخلي الخام كون الدولة لا تستدين علما أن القرض السندي جمع بالعملة الوطنية ما يعادل 5 ملايير دولار ساهم فيها القطاع العام بشكل كبير، إلا انه سجل تراجع احتياطي الصرف بمعدل 2/2,5 مليار دولار شهريا متوقعا أن ينزل تحت 100 مليار بنهاية السنة. وقد انعكس كل هذا على قيمة العملة الوطنية بحيث عرف الدينار تخفيضا بنسبة 20 بالمائة في 2015/2017 وذلك لارتباط قيمته بالاحتياطي من العملة الصعبة وليس بالذهب ناهيك عن عوامل اقتصادية أخرى مثل ضعف إنتاج العمل وتدني الإنتاجية الصناعية. من اجل التخلص من هذه الوضعية السلبية والخروج إلى أفق أكثر أريحية أكد الدكتور مصيطفى أن الأمر يتطلب الاعتماد على محركات جديدة تدفع إلى النمو موضحا وجود ثلاثة محركات فقط في الظرف الراهن وهي المحروقات والتجارة والبناء والأشغال العمومية بينما تبقى 11 محركا للنمو في حالة توقف ومن بينها السياحة التي تساهم ب 3 بالمائة فقط والصناعة ب 5 بالمائة والبتروكيمياء، الفلاحة، الصناعة الغذائية، الابتكار، الصيد، المناجم والغابات. بعد أن أكد العلاقة المباشرة بين الاقتصاد الكلي والسياحة التي تؤثر في معدل النمو، أشار إلى أن حصة الجزائر في سوق السياحة العالمية لا تتعدى 1 بالمائة وهي تحتل بذلك الرتبة 138 عالميا، كما لا تتجاوز حصتها في النتاج الداخلي الخام 8,1 بالمائة. لا تتعدى حصتها في الصادرات 3,9 بالمائة بينما لا يتجاوز دورها في سوق الشغل 6,5 بالمائة وهي وضعية اقل بكثير مما يسجل في بلدان مجاورة تحقق من السياحة مداخيل معتبرة مثل مصر بحوالي 9 ملايير دولار والمغرب ب 1,3 مليار وتونس 2 مليار دولار أما بلادنا فلا تحقق من السياحة سوى 0,2 مليار دولار أي ما يعادل 200 مليون دولار فقط مع أنها تتقاسم نفس المعطيات الطبيعية والمناخية وربما للجزائر مميزات أفضل. الخروج من نمط الفنادق إلى الأقطاب ومن خلال كل تلك المعطيات كان لزاما يقول الخبير إطلاق مسعى اليقظة بالارتكاز على خمس أفكار من شانها أن تؤسس للنهوض بالسياحة ويتعلق الأمر بترقية الصورة السياحية بتغيير الصورة النمطية النفطية من خلال ترويج ذكي، والخروج من نطاق سياحة الفنادق إلى الأقطاب من مدن ومركبات متكاملة مفتوحة على المحيط، واعتماد معيار الجودة في الخدمات لتشمل كافة الحلقات المتدخلة في السلسلة بما في ذلك تأهيل سائق سيارة الأجرة وعون الاستقبال بالفندق وتغيير المقاربة إلى معادلة أفقية تقحم مختلف القطاعات الأخرى مع تدعيم مركز القطاع الخاص، وأخيرا التكفل بالتمويل بإطلاق بنك للسياحة وتحرير العقار مع حمايته من التحويل للاستغلال في نشاطات غير السياحة. وحدد مصيطفى وجود 59 مفتاحا لباب السياحة بالمفهوم الاقتصادي الشامل تتعلق بستة ميادين هي السياحة الداخلية العائلية، سلسلة السياحة الأفقية، الجودة، الاتصال(13 مفتاحا) والاستثمار والتمويل. وأظهرت الندوة وجود رغبة لدى المجتمع المدني لتقديم الإضافة التي تمنح للمشاريع قيمة معنوية ترفع من وتيرة الأداء كون الفنادق لا ينبغي أن تحول إلى مراقد ومطاعم بقدر ما تكون أرضية للاستكشاف التاريخي والثقافي والاستجمام، علما كما أشار إليه المحاضر، يمكن للسياحة الدينية أن تحقق موارد هامة مقدما مثال الزاوية التيجانية التي لديها أكثر من مليون مريد بالمكان الكسب من خلال استقدامهم ما لا يقل عن مليار دولار في السنة غير أن تساءل عن وضعية مدينة عين ماضي بولاية الأغواط من حيث هياكل الاستقبال والقدرات السياحية النوعية.