يوارى الثرى، اليوم، بمقبرة سيدي يحيى المجاهد المخرج يوسف بوشوشي، الذي وافته المنية، أمس السبت، عن عمر ناهز 78 عاما. الفقيد، الذي التحق بصفوف الثورة وسنه لم يتعد ال16 عاما، كان ممّن تحمّلوا مسؤولية مؤسسة التلفزيون بعد استرجاع السيادة عليها، ولم يكتف بإخراج الأفلام، بل عمل على نشر الثقافة السينمائية. وكان نظير خدماته الجليلة أن كرّمه رئيس الجمهورية سنة 2003.. لتخسر الجزائر، أمس، واحدا ممّن صوّروا ووثّقوا مظاهر الفرحة باستقلالها ذات 5 جويلية 1962.. من مواليد 1939 ببجاية، التحق يوسف بوشوشي قبيل الاستقلال بمؤسسة الإذاعة والتلفزيون، التي عمل بها في البداية كمساعد مصور، ثم مصور رئيسي، قبل أن أصبح مراسلا لنشرة الأخبار، كما عمل مخرجا ومنتجا لعدة أعمال تلفزيونية. خاض أول تجربة سينمائية سنة 1963، حينما قام بإخراج أول فيلم قصير للتلفزيون الجزائري تحت عنوان: «أعالي مناطق الثورة»، وفي 1967 أخرج برنامجا تلفزيونيا عنوانه: «روائع الفن السابع» تواصل إلى غاية 1973. قدّم أفلاما كثيرة منها «الهجرة»، «سليم وسليمة» و»ثمن الحرية». سنة 2003، كرّمه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في وهران، عرفانا لكل ما قدمه للتلفزيون الجزائري. التحق يوسف بوشوشي بالثورة الجزائرية سنة 1956 وعمره لا يتجاوز 16 سنة، وكان قبل ذلك قد انضمّ إلى صفوف الكشافة الجزائرية. ويذكر الفقيد، في حوار نشرته الزميلة «المساء» (عدد في 31 أكتوبر 2009)، إن مهمته كانت نقل القنابل رفقة مناضلين على غرار جميلة بوباشة، وهذا من حي مارنغو من محل بيع الأواني إلى ضواحي حي العربي بن مهيدي في محل بيع الدجاج، وكانت هذه العمليات تتم وفق تنظيم وتخطيط محكم جدا رغم عمليات التفتيش التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال». أضاف في ذات السانحة، إنه لم يتردد في الالتحاق بصفوف الثورة، وكان الأمر فطريا وعفويا: «أنا من عائلة ثورية مائة بالمائة، حيث كان إخوتي وأعمامي وأبناء أعمامي رجال ثورة وإن اختلفت مهامهم، حتى أن هناك حيا في الأبيار يحمل اسم هذه العائلة الثورية «بوشوشي»، هذه العائلة التي عرفت سقوط شهداء وأذكر من بينهم أخي الذي عذب كثيرا وبعدها أخذ على متن طائرة وألقي به منها، وآخر حكم عليه بالإعدام وأخ آخر استشهد مع بوقرة في الحادثة التي راح ضحيتها ثمانية عشر مجاهدا». وأضاف: «كنا نحن أفراد العائلة متقاربين في السن، ويسعني هنا أن أذكر أبي الذي كان يأتي لي بقفة طعام عندما كنت في سجن سركاجي، ويحضر معه أيضا قففا أخرى لمساجين آخرين، صحيح أننا لم نكن أغنياء، ولكن كان هناك تساند عظيم بين أبناء الشعب الواحد الذي يصبو إلى هدف واحد، ألا وهو الاستقلال». قبضت سلطات الاحتلال على يوسف بوشوشي في 16 أوت من سنة 1957 إبّان اندلاع معركة الجزائر، وتعرض للتعذيب في مدرسة «ليفيي» بحسين داي، التي تحولت في العطلة الصيفية إلى مركز للتعذيب، ثمّ تمّ تعذيبه في مزرعة قبالة مستشفى بير طرارية، وفي ابن عكنون بالقرب من ثانوية عمارة رشيد، قبل أن يُنقل إلى سجن سركاجي حيث مكث سنة بعد محاكمته كقاصر. كما عذبه الاستعمار الفرنسي ثانية بحسين داي سنة 1960، وثالثة بفيلا سيزيني سنة 1961. التحق بمؤسسة التلفزيون سنة 1961 كمساعد مصور، بعد محاولة الاستعمار دحض اتهامات العنصرية من خلال فتح باب ضيّق للجزائريين في التلفزيون. كما كان ممّن صوروا مظاهر الفرحة بالاستقلال 24 ساعة على 24، كما كان مصور الجبهة: «صورت اقتلاع الجبهة للتماثيل ليلا مثل التمثال الذي كان في حي العربي بن مهيدي، والذي يضم الآن تمثال الأمير عبد القادر، وكنت أقدّم لجبهة التحرير الأفلام التي أصورها». قال الفقيد عن الجزائر ونضالها وفاتورة حريتها: «لقد دفع الجزائريون الكثير لاستقلال هذا البلد ولم يقتصر الأمر فقط بعد انطلاق الثورة، بل قبلها بكثير، وفي الكثير أيضا من مناطق البلد». وأضاف إن فيلمه «ثمن الحرية» الذي تطرقت فيه إلى مقاومة الجزائريين منذ سنة 1830 إلى غاية الاستقلال «موجه إلى المواطن الجزائري، لكي يدرك أكثر كل العذاب الذي عاشه رجال ونساء لكي يستقل هذا البلد».