تُعد مرحلة الشباب من أهم وأخطر المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، إذ يتم فيها تزايد نموه بشكل سريع لينتقل بعدها لمرحلة الرجولة، حيث متغيرات الحياة التي يعيشونها والظروف الثقافية والسياسية والاقتصادية التي تساهم في تشكيلهم. الشباب في كل أمة هم أساس نهضتها وأمل مستقبلها ومحط الرجاء فيها، إذ بهم تناط الآمال في تغيير واقع الحياة وتحقيق الأهداف المنشودة وإحراز التقدم فهم عمودها الفقري، وقلبها النابض، ويدها القوية التي تبني وتحمي، ومخزون طاقتها المتدفق الذي يملأها حيوية ونشاطاً، وهمزة الوصل التي تربط بين الحاضر والمستقبل، ومن هنا وجبت العناية بهم، والحرص على حسن تربيتهم وإعدادهم. ونظراً لما يشهده العصر الحالي من التغيرات المتسارعة في كل مجالات الحياة، كالثورة المعلوماتية، والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، والقفزة الهائلة في نظم الاتصالات وفضائيات الإعلام، وغير ذلك من مظاهر التغير اللامتناهية، مما يسم حياتنا بالتغير السريع، من هنا وجب علينا أن نسأل.. هل جميع الشباب مطالبون أن يكونوا قادة؟.. ومما لا شك فيه أننا بحاجة على كافة المستويات إلى جهاز مناعة من أجل حماية فكر المجتمع.. والشباب خاصة لأنهم البناء الذي إن صلح؛ صلح البناء المستقبلي التنموي للمجتمعات، فهم طليعة المجتمع، وعموده الفقري، وقوته النشطة والفاعلة والقادرة على قهر التحديات وتذليل الصعوبات وتجاوز العقبات، لذا لا ينهض مجتمع من المجتمعات إلا بمشاركتهم في البناء المجتمعي.. لذلك وجب على الشباب أن يضعون بصمتهم على الدنيا فيضيفون ويبدعون. أهمية تنمية الطاقات البشرية واستثمارها ولا يخفى على المتتبع للأوضاع المجتمعية على الصعيد المحلي والدولي الحاجة الماسة لبناء قيادات شابة وتكوينهم من أجل إبقائهم في حالة من النشاط المكافئ للتحديات التي تواجهنا وتتعاظم أهمية تنمية هذه الطاقات البشرية واستثمارها في ظل هذه التحديات الراهنة، وبالنظر لهذه التحديات يتضح لنا ضرورة تأهيل الشباب بصورة تكاملية، ليستطيعوا تجاوز هذه التحديات بدراية ووعي لكيفية مواجهتها، وكيفية تطويعها لصالحهم، وكيفية الاندماج مع هذه التطورات من غير تماهي معها، ومن غير فقدان للخصوصية الدينية والحضارية. فتعقيدات العصر الذي نعيش فيه جعلت من دور الشباب دوراً غير عادي ومختلفاً إلى حد كبير عن الدور الذي اضطلع به الشباب في مراحل تاريخية سابقة، نتيجة لطبيعة المرحلة وما تشهده من تغيرات وثورات متسارعة في المعرفة والاتصال والتكنولوجيا. وهكذا فان شخصية الشباب الفكرية والنفسية إنما يتكامل معظم نسيجها عن طريق المجتمع بوساطة عوامل تؤثر فيه بشكل مباشر أو غير مباشر، فلا جرم أن الشباب يكونوا بذلك أدق لوحة تنعكس عليها حالة المجتمع الذي هم فيه إن خيراً فخير أو شراً فشر، ولا جرم أن ما نراه من مظاهر الخير أو الشر على هذه اللوحة، إنما هو صورة للحالة السليمة أو الفاسدة التي يتسم بها المجتمع. وفي ظل المتغيرات الجديدة التي نعايشها بكافة أبعادها وما تمتلك من أدوات ووسائل تكنولوجية فإن الشباب كغيرهم في البيئات الأخرى، أصبحوا عرضة لمؤثرات عديدة تنعكس بلا شك على فكرهم وسلوكهم وقيمهم وتسهم في تشكيل شخصيتهم إلى حد كبير. ولا نستطيع أن نلخص دور المجتمع ككل في بناء القيادات الشابة بكلمات مقتصرة، وإنما نستطيع أن نلمح لمعالم مقترحة لتحقيق هذا الدور بأفضل صورة، من خلال: القياس المستمر لحاجات الشباب المتغيرة وفق التحديات المعاصرة والتحولات العالمية، وصياغة إستراتيجية فكرية تنحى منحى شمولي تشاركي في رسم معالمها كافة أطر المجتمع لتحصين الشباب ضد التحديات التي تواجههم، ولإعدادهم لدور أكثر فاعلية في المجتمع، ووضع الآليات التنفيذية لتطبيق هذه الاستراتيجية. باحث دكتوراه وخبير في مجال البحث العلمي والدراسات العليا