إذا كانت التربية في مفهومها المعاصر عملية للتغيير والتطوير ولها من الآثار والنتائج الإيجابية ما يجعلها تحتل المكان الأول بين وسائط الإصلاح والتقدم في أي دولة من الدول، فإن نتائج هذه العملية منوطة إلى حد كبير بإدارتها، التي تمثل القيادة المسؤولة عن سير العملية التربوية وتوجيهها. وفي هذا السياق، فإن المؤسسات التربوية في الدول العربية والإسلامية تواجه في العصر الراهن العديد من التحديات، ولعل أهمها كيفية التفاعل مع التغيرات المعرفية والتكنولوجية المعاصرة، وما ارتبط بها من مفاهيم واتجاهات تعليمية من أبرزها «مجتمع التعلم Learning community». والقائد لا يمكن أن يعمل بمعزل عن الآخرين، لذا فإن من الشروط الأساسية لنجاحه في القيادة تفهم قدرات واستعدادات من يعملون بمعيته والتجاوب مع حاجاتهم وآمالهم وطموحاتهم لكي يستطيع أن يؤثر فيهم التأثير الفاعل. لقد آن الآوان لصناعة قياداتنا حتى الموهوبين منهم والذين يمتلكون المواهب القيادية الفطرية، إن مثل هذه الصناعة ستساعد على تجويد العمل في مؤسساتنا وتجعلها أكثر قدرة على المنافسة في المجالات المختلفة، كل ما سبق يؤكد أن هناك حاجة ماسة لدراسة متطلبات قيادة مجتمعات التعلم. إن التعلم هو القلب النابض للعملية التعليمية، وعمليات التعلم تقوم على العلاقة التشاركية بين المعلم والمتعلم من خلال الأدوار الواضحة المحددة التي يقوم بها كل من المتعلم والمعلم، وفوق ذلك تحتاج القيادة حاجة حيوية إلى تركيز ضمير الجماعة على أحد أهداف العملية التعليمية الهامة والمتمثل في تمكين الأفراد من التحول من قيامهم باكتساب واستظهار المعلومات إلى القيام باستخدامها في تكوين محتوى معرفي. إن التعلم في الدول العربية والإسلامية في مجتمع التعلم لم يعد اختيارياً وإنما أصبح فرض عين على جميع الأعضاء، وعليهم أن يتعلموا ويعلموا فرادا ومجتمعين، وهنا تكون عملية التعلم مستمرة، ولا ينظر إليها أعضاء مجتمع التعلم بأنها شيء مضاف إلى واجباتهم وأعمالهم اليومية، وإنما ينظرون إليها على اعتبار أنها جزء من نشاط وثقافة مجتمعهم التعليمي، وبالتالي فإن هذه العملية تحدث لديهم بصورة مستمرة. وعليه فإن قيادة مجتمعات التعلم في الدول العربية والإسلامية معنية بتغيير العادات المتأصلة التي تعوق التطوير والتحول لمجتمع تعلم، إما لعدم اكتمال دوائر التعلّم، أو لعدم القدرة على التفكير في الكل بدلاً من الفرد، أو للنزعة الدفاعية بين أفراد المجتمع التعليمي لحماية أنفسهم من المواجهة والنقد الصريح، وذلك لأن قائد مجتمع التعلم بالتعاون والتكامل مع شبكة الشركاء يعملون لتحريك ودفع عجلة الإصلاح والتغيير المتمركزة حول التعلم، فالمدرسة كمؤسسة اجتماعية، وقائدة لعملية التغيير المجتمعي، عليها التحرك لتصبح مجتمع تعلم، ويمكن أن تنجح المدرسة في أداء المهمات بشكل جماعي، وفهم وتطبيق الأفكار الجديدة حول التعلم والتعليم، وينتج عن التعلم في مجتمع التعلم: تغيير مفاهيمي وزيادة النشاط الذاتي والتأمل الناقد والإبداع وتجريب الاستراتيجيات الجديدة في التدريس. وبشكل عام فإنٍّ مجتمعات التعلم تدور حول متعلّمين يشتركون في عمليات التعلّم، وحول قائد وشركاء له في قيادة مجتمع التعلّم، ويشتركون جميعاً في رؤية طموحة لبيئة تعلّم يعملون على تشكيلها، ويعملون معاً في تصميم خريطة طريق لرحلة تعلّمهم. إنّ قيادة مجتمعات التعلم في الدول العربية والإسلامية وبمشاركة الجميع تسعى للارتقاء والجودة في الأداء، ويطبّقون نماذج عقلية أفضل عند معالجة المشكلات والمواقف، ويطوّرون رؤية وقيماً مشتركة تساعدهم على خلق بيئة عمل منسجمة، وهذا يؤهّلهم لأن يحسنوا أدائهم ليعدوا المتعلمين للأفضل دائماً. باحث دكتوراه وخبير متخصّص في مجال البحث العلمي والدراسات العليا email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.