جنازة مهيبة أقامها الأمريكيون منذ أيام قليلة لرئيسهم الأسبق »جيرالد ريدولف فورد« الذي فارق الحياة في سن ال 93 قبل أيام من شنق صدام حسين، وكانت أمريكا قد فقدت العام قبل الماضي رئيسها الأسبق أيضا »رونالد ريغن« في سن ال 93 أيضا، لتفقد بذلك أمريكا عرشا كان ملكا لها لوحدها كونها البلد الوحيد في العالم الذي يمتلك ستة رؤساء حكموا البلد وما زالوا على قيد الحياة وهم جورج بوش الأب (83 سنة) والإبن (61 سنة) وبيل كلينتون (61 سنة) وجيمي كارتر (83 سنة) والرئيسان الراحلان فورد وريغن. وكان هذا التميّز الأمريكي مضربا للمثل في البلد الديمقراطي الذي يغادر فيه الرؤساء عرش السلطة وهم أحياء دون الذي يحدث في دول العالم الثالث الذي ينتهي فيه الحكم بانتهاء روح الحاكم أو بإنهائه بالقوة قتلا أو سجنا. الغريب أن العرش انتقل إلى الجزائر التي بقيت وحدها في العالم التي تمتلك خمسة رؤساء حموا البلاد وما زالوا على قيد الحياة وهم بوتفليقة (70 سنة) وبن بلة (89 سنة) وعلي كافي (79 سنة) والشاذلي بن جديد (78 سنة) واليمين زروال (66 سنة)... وأجمل ما في هذا التميز أن هؤلاء الرؤساء يعيشون جميعا في الجزائر في حرية تامة وتجمعهم علاقة ودية مع بعضهم البعض ومع الرئيس الحالي، ولا أحد منهم اختار المنفى، بل إنهم لا يتنقلون خارج الوطن إلا لأسباب صحية. التمركز في المقدمة لم يكن عربيا فقط وإنما انتقل إلى العالمية، ففي العالم العربي القاعدة الرئاسية أو الملكية تقول إن الحاكم لا يزول إلا بزوال أيامه »الحياتية«، فباستثناء لبنان التي تمتلك ثلاثة رؤساء وهم إلياس الهراوي وأمين الجميل وإيميل لحود، ومورتانيا والسودان، فإن بقية الدول من جمهوريات وإمارات ومملكات لا وجود فيها لمفردة »الرئيس السابق« ما دام السابق هو بالضرورة ميتا والملك لا يتزحزح عن العرش إلا بقدرة »الموت«... حتى مفرده »الرئيس السابق« التي بقيت في العراق حوالي ثلاث سنوات أرادها المالكي وطالباني أن تلغى نهائيا في عملية شنق صدام حسين التي ألحقت العراق ببقية الدول العربية في حكاية الرئيس الواحد الأوحد. في أمريكا ظلوا ينتقدون استقرار الحكم في اسم واحد في الدول العربية وقالوا إن الزعيم الليبي معمر القذافي حكم ليبيا منذ 1969 أي لمدة 38 سنة، وهي المدة التي مر بها على البيت الأبيض سبعة رؤساء أمريكيين هم نيكسن وجيرالد فورد وجيمي كارتر وريغن في عهدتين وبوش الأب وبيل كلينتن وبوش الإبن.. ولكن الأمريكيين تراجعوا عن انتقاداتهم واعترفوا بأن بقاء الحاكم مدة طويلة فيه فائدة خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث، حيث حققت ليبيا مثلا استقرارا مكّنها من تجاوز الفتن التي تعيشها عدة دول في العالم. ولا تنافس الجزائر في القمة إلا دولتان متناقضتان جدا وهما إيران وإسرائيل، فبعد أن ملك إيران الشاه لمدة فاقت ثلث القرن، قدمت الثورة الإسلامية منذ عودة المرحوم الخميني "كوكتيل" من الرؤساء الذين نافسوا في تعددهم الولاياتالمتحدة وبقوا في إيران بعد سحب البساط من تحت أقدامهم وهم بنو صدر ومحمد علي رجائي وآخرون في أشد النشاط حاليا وهما رفسنجاني (73 سنة) وعلي خاتمي (64 سنة). ولا تختلف إسرائيل عن هذه الصور فهي تقدم دائما عددا من رتبة الوزير الأول مثل إيهود باراك وشارون وشمعون بيريز وأولمرت، وتبقى قوة إسرائيل في اجتماع كل الحكام الحاليين والسابقين أثناء »المحن«، كما حدث في اتحادهم في العدوان الأخير على لبنان. الجزائر تتميز حاليا على فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وإنجلترا وألمانيا في عدد الحكام الذين مازالوا على قيد الحياة، وهي رتبة في الكم والشكل من المفروض استغلالها لرفع المعنويات والتأكيد على أن الديمقراطية في الجزائر تقدمت خطوات هامة نحو الأمام. أما عن منصب رئيس الحكومة فيوجد حاليا ما لا يقل عن عشرة أسماء جلست على كرسي رئاسة الحكومة، ويبلغ الرقم بالمئات لمناصب الوزراء التي حمل حقائبها جيش من السياسيين يصعب عدّهم أو حتى تذكر أسمائهم. ناصر