"النّاير" أو "ينّاير" كلمة تعني شهر "جانفي" إذ اعتبر التقويم الروماني الأول 12 جانفي بداية السنة الميلادية المسيحية، وهو تقويم "يوليوس القيصر"، وهو نفس التقويم الذي اتخذه البربر فيما بعد متأثرين بالرومان بداية لسنتهم الفلاحية، مما حول الاحتفال به لاحقا إلى احتفال تعرض فيه كل المنتوجات الفلاحية وتقديمها في جو من الطقوس الخاصة، ذات بعد وثني أحيانا. هذا التقويم، سرعان ما تغيّر مع القديس سان غريغوري، ليصبح بداية السنة الميلادية الجديدة هو 01 جانفي وليس ال12 منه، وهو ما اصطلح عليه بالتقويم الغريغوري، والذي لايزال معمولا به لدى المسيحيين والعالم. وهران، وباعتبارها منطقة بربرية تاريخيا، متأثرة بقرون من التواجد الروماني، لا تزال المناطق المجاورة لها تقيم احتفالات بداية السنة الفلاحية البربرية، في 12 يناير... تحت نفس الاسم المعروف وطنيا ب:»الناير«... لتأخذ منه رمزا وسبيلا للالتفاف العائلي والاجتماع بين الأهل والأقارب في جو احتفالي بهيج تزيده روعة أطباق الحلويات التقليدية المعروفة بالمنطقة ك»المعكرة« أو »الكعبوش« كما يسميه البعض. حي المدينةالجديدة، المتميز بطابعه التجاري، يشهد هذه الأيام حركة دؤوبة وإقبالا على المنتجات المعروضة التي تزيّنت بها المحلات وتفنّن الباعة في عرضها كالتمور والحبالي »التين الجاف« وكل أنواع المكسرات والحلويات، في شكل خليط أو منفصل بعضها عن بعض. ورغم ارتفاع الأسعار وعجز البعض عن شرائها والاكتفاء بتحديق الأنظار، يبقى حرص العائلات الوهرانية على تحضير أكلة »الشرشم« أهم من كل الأشياء..، و»الشرشم« هو ذلك الطبق الذي يحتوي على كل الحبوب والبقول الجافة من قمح وفول وعدس وحمص... »تبرّكا« بالسنة الفلاحية الجديدة، وطلبا للرخاء والنماء والمطر... كما يقدم »الرقّاق« مع طبق الدجاج المحمر ليلة الاحتفال بالمناسبة، رفقة كل أنواع الفواكه... فواكه الفصل، لتدوم وتستمر ساعات البهجة والسهر إلى وقت متأخر من الليل. كما تقوم بعض العائلات بزيارة الأصدقاء والأحباب الذين لم تسمح لهم الظروف الاجتماعية بالاحتفال، فتتم مقاسمهتم ومشاركتهم الفرحة والسرور بجلب الحلويات والفواكه المختلفة في ظروف حميمية وأخويّة اعتادت عليها العائلات. ما زاد في المناسبة، هو الجديد في المناسبات دائما: فواكه لم تكن معروفة، وحلويات لم تكن مألوفة... ومشتريات جديدة... مع تلك المقتنيات العتيقة المتمثلة في الأرغفة التي تتوسطها بيضة... و»المزود« الذي يجمع كل هذه الأشياء التي توزع على الأطفال، حيث تروى لهم الحكايات والخرافات والأساطير الجميلة التي تبعث على النوم... وتنذر بالشراهة في الأكل تحت العنوان المرعب »عجوزة الناير« أو »البراكة« أو »الجثمة«... أي المرأة العجوز التي تبرك وتجثم على صدر الأكولين من الأطفال ولكن بصيغة تهديد لا بصيغة الفرحة بالعيد. ورغم إقبال العائلات وامتناع البعض عن الاحتفال، تبقى هذه المناسبة جزءاً من عادات المجتمع الوهراني وطريقة للالتقاء والاجتماع بأفراد العائلة والأقارب. كمال يعقيل