لم تعد ظاهرة "الحراقة" التي استفحلت في الآونة الأخيرة بالسواحل الغربية حكرا على صفحات الجرائد أو موجات الراديو أو حديث الشوارع و المقاهي، بل تعدتها لتخترق مجال الشاشة الكبيرة و الإنتاج السينمائي، حيث تم في بحر الأسبوع الماضي عرض أول فيلم سينمائي من إنتاج جزائري بقاعة "سينماتيك" بوهران تناول قصة واقعية حدثت لشاب وهراني، اقتبست ظروفها من واقع معاش بائس و فقير، كانت بداية نهايتها انطلاقا من شاطئ "رأس فلكون" بمدينة عين الترك نحو اسبانيا بوابة عالم الثراء و الرفاهية و تحقيق الأحلام. "تأشيرة الموت" فيلم للمنتج و المخرج "دلال سمير" استغرق ساعة من العرض اهتزت له أفئدة جمهور المشاهدين بما رأت و بلغت قلوبهم الحناجر اثر مشهد مرعب استهل به المخرج فيلمه معبرا عنه بصور الصراع مع الموت و "سوسبانس" الدقات المخيفة بإحدى المستشفيات التي آل إليها مصير "الحراق" قويدر. هذا الأخير يبلغ من العمر 36 سنة، ضاقت عليه وهران بما رحبت و سدّت في وجهه كافة الأبواب، حيث كانت حبكة هذه القصة ابتداء من فقدانه لعمله بأحد المحلات التجارية بعدما كان يتأخر عن مواعيد دوامه في كثير من الأحيان بسبب مرض والدته. "قويدر" هذا الشاب الأسمر هزيل الجسم، الذي فقد كل أمل في الحياة بعدما نالت منه نوائب الدهر و أردته متسكعا بالشوارع، يلتقي بأحد رفقائه الذي أصبح من أصحاب الملايين بفضل إقامته بفرنسا و الذي ترك بنفسه أثر المغشي عليه من "الغمّ و الهمّ"،وربما ما زاد الطين بلّة، خطيبته التي رمت في وجهه "الدبلة" التي كانت تجمعهما و تؤسس لمشروعهما في الزواج، بعدما ضاقت بوعوده ذرعا على مدى حولين كاملين، فضلت ارتباطها بمهاجر بإحدى الدول الأوروبية، فما كان أمامه من سبيل غير ارتداء دبلة القنوط و اليأس و الإحباط.إلا إنه ورفقة مجموعة من الشباب،سرعان ما فضلوا طرق باب الموت بحثا عن الحياة. وبعد فشل على فشل، في محاولاتهم للتخلص من شبح الفقر وهذا عن طريق طلب التأشيرة من السفارة أو التسرب إلى إحدى البواخر المغادرة للميناء ليهتدوا أخيرا إلى سبيل "البوطي" ليتخذوه في البحر سببا، و رغم أنهم ملّئوا رعبا من أخبار الموتى غرقا و الجثث التي يجلبها جزر الموج إلا أن قرارهم الأخير كان "تعليق تأشيرة الموت". "قويدر" خانته اقتصادياته و لم يستطع أن يدبر مبلغ الرحلة فما كان عليه إلا أن "يبزنس" في زملائه الخمسة ليضمن تكاليف الرحلة قائلا " ديروني في الوسط، راني مغبون" في حين اضطر أحد أصدقائه إلى بيع دراجته النارية و آخر سرق مجموعة من الهواتف المحمولة من محل تجاري كان يعمل به و التصرف فيها من أجل تأمين المبلغ المطلوب و المقدر ب 7 مليون سنتيم للشخص الواحد. "براكودا" الذي ذاع صيته في "السكاتشات" و الأفلام القصيرة في دور أحد أفراد العصابات العنيفة كان له هذه المرة دور الناصح لهؤلاء الشباب بعدم المخاطرة و الإبحار سرّا، و كانت إحدى لفتات المخرج المعبّرة جملة كتبها "الحراقة" الخمسة على الحائط قبيل إقلاعهم "ياكلني الحوت و مايكلنيش الدود" إشارة إلى مدى تأزم ظروفهم و رغبتهم في تغيير وطنهم و لو كانت ضريبة ذلك الموت غرقا. كما تناول هذا الفيلم أهم التحضيرات التي يقوم بها "الحراقة" قبل انطلاق رحلة الموت منها الاطلاع على الأحوال الجوية لكامل الأسبوع و تهيئة القارب بمحرك "جي بي آس"...، و كانت نهاية الفيلم مجالا مفتوحا على جميع الافتراضات من حيث أن أحدهم رفض في آخر لحظة الإقلاع معهم و تراجع خوفا من الموت بينما سقط "قويدر" الشخصية المحورية في عرض البحر اثر شجار جرى بينهم لتلقي به الأمواج إلى مصلحة العناية المركزة بالمستشفى في حين بقيت الاحتمالات مفتوحة عن مصير البقية فيما إذا كانوا قد نجحوا في بلوغ الضفة الأخرى أو أنهم أضيفوا إلى قائمة مفقودي البحر، حيث يقول الشيخ الكبير الذي كان بجانب "قويدر" في المستشفى أن أمواج البحر العاتية كفيلة بقلب باخرة كبيرة فما بالك بقارب شبيه بالحوض البلاستيكي. هذا الإنتاج وصفه كثير من الممثلين و المخرجين الذين حضروا العرض بالمحاولة الجريئة في تناول ها الظاهرة الجديدة رغم بعض النقائص التي أخذت عليه من حيث نوعية الصورهذه وورود بعض التناقضات، فيما أشار ناقدون آخرون إلى أنه كان أقرب إلى الروبورتاج منه إلى الفيلم السينمائي. من جانب آخر، أبدت كثير من العائلات تقبلها لموضوع الفيلم باعتباره حدث الساعة، حيث ذكرت بعض الأمهات أنهن يخشين أن يأخذ البحر منهن يوما أولادهن إذا ما أصيبوا بعدوى "هوس الحرقة"، فيما شجع آخرون ضرورة تسليط الأضواء على مثل هذه الظواهر و معرفة أسبابها الحقيقية قصد معالجتها. صالح فلاق شبرة