صادقت الجزائر أخيرا على تعديل اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، وهو التعديل الذي تم اعتماده في فيينا شهر جويلية من عام 2005، بمعنى أن الجزائر انتظرت أكثر من سنة ونصف كاملة للمصادقة على التعديلات الجديدة من خلال ما كشفه المرسوم الرئاسي الجديد الصادر في العدد الأخير من الجريدة الرسمية، والذي يحمل رقم 07-16 مؤرخ في تاريخ 14 جانفي 2007. في الوقت الذي كانت الكثير من الدول العربية قد سبقت إلى الموافقة على التعديلات الجديدة التي أدخلت على الإتفاقية التي صدرت خلال عام 1980 للمرة الأولى قبل أن تعدل للمرة الأولى كذلك منتصف العام 2005، ويبدو أن الجزائر أخذت كامل وقتها قبل الموافقة على التعديلات الجديدة، خاصة وأنها هي من حملت لواء الدفاع عن حق الشعوب في استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية، خاصة بعد الملتقى الإستراتيجي الذي احتضنته في مطلع هذا العام والذي حضره محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لما احتضن فندق الأوراسي أشغال الندوة الإقليمية حول مساهمة الطاقة النووية في السلم والتنمية المستدامة، والذي طالب فيه الرئيس بوتفليقة من البرادعي مساعدة القارة على امتلاك هذه التكنولوجيا، ودافع عن حقها في ذلك. ومن بين أهم التعديلات الجديدة التي أدرجت على هذه الإتفاقية وصادقت عليها الجزائر، أن الإتفاقية في نسختها الجديدة تقطع الطريق أمام أي محاولة لقراءة بنودها وفق النوايا أو الأغراض التي يراد تحقيقها من طرف جهات معينة، حيث تدعمت المادة الأولى من الإتفاقية الأصلية بعبارة أنه ليس في هذه الإتفاقية ما يمكن تأويله على أنه إذن مشروع باستعمال القوة أو التهديد باستعمالها ضد المرافق النووية المستخدمة في الأغراض السلمية، ولعل هذا ما ينطبق بالضبط على الصراع الدائر حاليا حول المشروع النووي الإيراني الذي يواجه تهديدات دولية وخاصة من إسرائيل التي يوجد في نيتها قصف المنشآت النووية الإيرانية بدعوى أنها موجهة لأغراض عسكرية، وهو السلوك الذي تحذر منه هذه الإتفاقية التي تعتبرها واشنطن من بين أهم الإتفاقيات التي تهدف إلى منع الإرهاب النووي العالمي. ولعل ما يدعم هذا الطرح أن الفقرة الموالية التي تمت إضافتها لهذه المادة تكشف بوضوح أن هذه الإتفاقية لا تنطبق على البرامج النووية الموجهة لأغراض حربية أو عسكرية، بمعنى انه يكفي البرهنة على عدم سلمية المشروع الإيراني وغيره من المشاريع للتنصل من بنود هذه الإتفاقية، ولعل هذا بالضبط ما جعل الإدارة الأمريكية تدرج هذه الإتفاقية بتعديلاتها الجديدة ضمن قائمة تضم 12 اتفاقية وبروتكولا دعت جميع دول العالم إلى التوقيع عليها في إطار الحرب على الإرهاب ومحاصرة الشبكات الإرهابية العالمية، حيث وبعد صدور التعديلات الجديدة على اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية في شهر جويلية 2005 أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في سبتمبر من نفس العام، أي بعد حوالي شهرين فقط من تعديل اتفاقية 1980، بيانا دعت فيه جميع الدول على تنفيذ 12 إتفاقية وبروتوكولا تهدف إلى مكافحة الإرهاب يوجد من بينها اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، زيادة على اتفاقيات أخرى على غرار الإتفاقية الدولية لحظر التفجيرات الإرهابية والإتفاقية الدولية لحظر تمويل الإرهاب واتفاقية منع الإستيلاء على الطائرات بأسلوب غير قانوني، وعدة اتفاقات أخرى تدخل في إطار الحرب ضد الإرهاب التي تقودها الإدارة الأمريكية. ويبدو أن مصادقة الجزائر ودول أخرى على هذه الإتفاقيات ومن بينها التعديلات المدرجة على اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، تدخل في إطار مساعيها للحصول على الطاقة النووية السلمية بعد ما التزمت واشنطن بمساعدة كل الدول الراغبة في الحصول على هذه التقنية بشرط توقيعها وتنفيذها الكامل لكل هذه الإتفاقيات كما سبق وأن صرحت بذلك صراحة كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في نهاية العام المنصرم، مع تزايد رغبة العديد من الدول في إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة النووية لما لها من مزايا اقتصادية وبيئية ولتلبية الاحتياجات المتزايدة للكهرباء وكذا استعمالها في مجالات أخرى وخاصة في المجال الطبي. وتأتي مصادقة الجزائر على هذه التعديلات الجديدة بالتوازي مع تصريحات السيد روبرت فورد السفير الأمريكي بالجزائر، الذي قال بأن بلاده مستعدة لتوقيع اتفاق نووي مع الجزائر وأنها على أهبة الإستعداد لذلك. نسيم لكحل: [email protected]