رافع أمس، المحامي خالد برغل، في حق المتهمين "ق. جمال"، الذي شغل عدّة مناصب في مجمّع الخليفة، من بينها رئيس ديوان رفيق عبد المومن خليفة ثم المفتش العام في الخليفة آيروايز، ثم المدير العام لقناة "الخليفة تي في" التلفزيونية بباريس، والمدير العام لوكالة الحراش "ع. جمال"، مدير وكالة بنك الخليفة بالمذابح في الجزائر العاصمة "س. حسين" ومدير وكالة بنك الخليفة بوهران "ق. حكيم" وهم المتهمون الذين التمس لهم النائب العام 20 سنة حبسا نافذا، بتهم تشكيل جماعة أشرار وخيانة الأمانة والنصب والاحتيال والسرقة بالتعدد. وحرص خالد برغل في بداية مرافعته على الإشادة بالشفافية التي تميزت بها محاكمة الخليفة بمحكمة الجنايات في مجلس قضاء البليدة، نظرا للتغطية الإعلامية التي حظيت بها جلسات المحاكمة منذ انطلاقها، الأمر الذي مكن المواطنين ورجال القانون في كل ولايات الوطن من متابعة كل ما يجري في المحاكمة عن بعد. وقال خالد برغل، بأن العدالة اليوم، على المحك، لأن كل آمال الشعب الجزائري معقودة على هذه الزمرة من القضاة الذين أوكلت لهم مهمة تحمل مسؤولية هذا الملف. وفي سياق متصل، قال المحامي في مقدمة مرافعته، بأن الجزائر لم تكن في حاجة لهذه القضية، التي قال بأنها سممت الحياة الوطنية، وكان من الأحرى معالجتها كقضية تجارية لبنك أفلس وانتهى الأمر، مشيرا إلى أن قضية الخليفة لا تشكل مثالا متميزا عن محاربة الفساد على الإطلاق، لأنها ليست قضية فساد، ومن ثم فمعالجتها حسبه عن طريق القضاء خطأ جوهري، مضيفا "أنا شخصيا مقتنع بأن هذه القضية في الأساس كان بإمكانها أن تأخذ مجرى آخر ولكن أريد لها أن تأخذ هذا المجرى، فليكن ذلك". ظهور بنك الخليفة كان ثمرة الإصلاحات وأوضح المحامي، بأن قضية الخليفة، جاءت بعد الإصلاح الدستوري الذي تمّ سنة 1986 الذي تمّ تنفيذا له إصدار قانون النقد والقرض سنة 1990 الذي ترتب عنه إعادة هيكلة المؤسسات المالية العمومية وتصفية بعض المؤسسات وحلها وتسريح عمالها، وبعد صدور القانون 90 / 14 بسبع سنوات ظهر بنك الخليفة، ولذلك فهو - حسب المحامي - ثمرة الإصلاحات، حيث ظهر البنك إلى الوجود في 25 مارس 1998 وهو تاريخ حصول رفيق عبد المومن خليفة على الترخيص المؤقت لمدة من بنك الجزائر، من أجل إنشاء بنك، غير أن هذا الترخيص المؤقت، حسب خالد برغل، لم يحترم وقلصت آجاله لتصبح مدته 4 أشهر، من خلال تحصل البنك على الاعتماد الثاني والرئيسي في 27 جويلية 1998، حيث تنص المادة السادسة من هذا الترخيص بأن هذا الترخيص مممنوح لمدة سنة، ريثما تستكمل الإجراءات، غير أنه سرعان ما تمّ منح الاعتماد لعبد المومن خليفة ونشره في الجريدة الرسمية مبتورا من عدّة مواد ولاسيما المادة الثانية التي توضح بأن بنك الخليفة يوضع تحت مسؤولية السيد علي قاسي، ومبتورا كذلك من مداولة مجلس النقد والقرض وأيضا من الفقرة التي تنص على أن الترخيص هو ترخيص مؤقت. خليفة ولد وفي فمه ملعقة من ذهب وقال المحامي، بأن رفيق عبد المومن خليفة، هو من الناس الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، أعطته الجزائر كل شيء، حتى أصبح هو كل شيء، مضيفا بأن مومن خليفة استغل الاسم العائلي واستغل أعز ما يملك وهم عائلته وأمه وإخوته وأخواته من أجل إنشاء البنك، وكان من أبناء الشعب المحظوظين، لأن والده من الأشخاص الذين مارسوا السلطة في هذه البلاد. وحسب خالد برغل، فإن مومن خليفة بمجرّد أن تحصل على الاعتماد، أنجز ما لا يمكن إنجازه في ظرف قياسي، وهنا يمكن أن نتساءل كما قال المحامي عما إذا كان رفيق عبد المومن خليفة فعلا هو من أنجز كل تلك الإمبراطورية بعبقريته لوحده، وإذا كان الجواب بنعم، هو من أنجز كل ذلك، فإن هذا يعني أن رفيق عبد المومن خليفة، له عبقرية خارجة على النطاق العادي، أم أن رفيق عبد المومن خليفة، كان مدفوعا ومستفيدا من مساعدة الأشخاص الذين سهلوا له الوصول إلى ما وصل إليه. "هذا الشاب، استقطب عدة مسؤولين، واتخذ استراتيجية الانتشار السريع في ظرف قياسي على المستوى الوطني، القاري والدولي"، قال خالد برغل، قبل أن يضيف: "عبد المومن سعى إلى التواجد عبر أكبر عدد من البنوك الدولية، ففتح مكاتب في مختلف الدول، حوالي 20 مكتبا عبر مختلف الدول مثل سويسرا، فرنسا، بروكسل، كندا وغيرها، إلى جانب الوكالات والشركات التي فتحها داخل الوطن، كما فتح حسابات في كل البنوك الجزائرية وهي بنك الفلاحة والتنمية الريفية، بنك التنمية المحلية، القرض الشعبي الجزائري، البنك الخارجي، البنك الوطني الجزائري، الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي، و(بي سي آر)". مشيرا إلى أنه أسس ما يقارب 14 مؤسسة، كلها تبدأ بكلمة خليفة واستحوذ على اليد العاملة ذات الخبرة من كل القطاعات، وسمى كل ذلك مجمع الخليفة، وهنا توقف المحامي خالد برغل ليقول: "كل ذلك كان بمساعدة السلطات الإدارية الجزائرية، استعمل استراتيجية اختراق دواليب السلطة والاقتراب من المسؤولين والظهور في المحافل الرسمية وصحبة الفاعلين في السلطة، وتوظيف أبنائهم وتقديم الخدمات لهم، من أجل ربحهم والحصول على مساعدتهم وضمان وقوفهم إلى جانبه، ومنح الامتيازات لمدراء الشركات العمومية من أجل استقطابهم واستعمل طائرة خاصة، فصار يصول ويجول بها داخل وخارج الوطن دون حسيب أو رقيب"، كما استعمل أسلوب توظيف رجال الإعلام والوجوه الرياضية لصالحه، وهو أسلوب استعمله غيره حتى في المجال السياسي، متسائلا: "من كان يظن بأن هذه الأساليب كانت طريقة للنصب والاحتيال"، ليرد على نفسه بنفسه قائلا: "بل تمكن من استعمال كل تلك الأساليب والوصول إلى كل الفاعلين في السلطة بفضل الاعتماد الذي منحه له بنك الجزائر، وبذلك تمكن في ظرف قياسي من استقطاب كل الشركات العمومية لتودع أموالها في بنك الخليفة وأصبح لديه خلال بضعة أشهر مليون ونصف مليون مودع، وكانت الأموال خلال تلك الفترة تسحب من البنوك العمومية وتودع في بنك الخليفة، وكل المسؤولين لاحظوا ذلك دون أن يتحركوا لوقف النزيف من البنوك العمومية". رفيق عبد المومن خليفة، كان يقترب منه الشخص البسيط وصاحب النفوذ كلهم كانوا يسعون لصحبته والاقتراب منه، إما طمعا وإما فضولا. قوة تفوق قوة بنك الجزائر جمدت التقارير العشرة ويتساءل خالد برغل: "هل كان بإمكان هؤلاء المتهمين أن يرفضوا تطبيق أوامره شفهية أو مكتوبة كانت؟ عبد المومن خليفة كان يمارس السلطات المخوّلة له بموجب القانون التجاري بوصفه الرئيس المدير العام للبنك، وهي السلطات المكرّسة في الاعتماد الذي حصل عليه كذلك، وذلك بتشجيع من الهيئة العليا للبلاد"، يقول خالد برغل، قبل أن يضيف بأن اللجنة المصرفية ومجلس النقد والقرض والمفتشية العامة لبنك الجزائر، هي هيئات تابعة لبنك الجزائر، تعمل وفق قوانين واضحة لا يمكن الانزلاق عنها، وقد ثبت بلا منازع حسب المتحدث من خلال الشهادات بأن هيئات بنك الجزائر قامت بواجبها تجاه بنك الخليفة، وبأنها كانت تقوم بعمليات المراقبة المتتالية، وهو ما أسفر عن إعداد 10 تقارير تتضمن خروقات بنك الخليفة، تمّ إيداعها أمام أعضاء اللجنة المصرفية، لكن في كل مرة تتحجج على تسامحها مع اللجنة المصرفية أو بنك الجزائر، بأن الأعضاء غير محلفين أو بأن عهدة الأعضاء انتهت. وحسب المحامي، فإن بنك الجزائر قام بالتفتيشات والتقارير التي تكشف الخروقات في الوقت المناسب، غير أن الإجراءات لم تتخذ، مما يعني - كما قال المحامي - وجود إرادة قوية تفوق إرادة بنك الجزائر. وعلى حدّ تعبير خالد برغل، فإن خلاصة كل ذلك اليوم أن "تماطل بنك الجزائر هو سبب الكارثة التي وقعت". وفي سياق متصل، قال المحامي بأن بنك الخليفة كان يحظى بعدّة هيئات رقابية داخلية وضعها رفيق عبد المومن خليفة، تتضمن سلما تدرجيا في المسؤوليات لا يمكن الإفلات منه، بداية من الرئيس المدير العام والرئيس المدير العام الثاني والرئيس المدير العام المساعد والمدير العام ونائب المدير العام والمفتشية العامة والمفتشية الجهوية، مديرية التسويق التنظيم، المديرية العامة للإعلام الآلي، المديرية العامة للميزانية والمحاسبة، مديرية الوسائل والموارد البشرية، مديرية العلاقات الخارجية، ومديرية الوثائق والمبادلات، مديرية التجارة الخارجية، مديرية الاستغلال، مديرية رؤوس الأموال، مديرية القروض والالتزامات، ومديرية الشبكة، وكل هؤلاء المدراء - حسب المحامي - كانت مهمتهم مراقبة أعمال المتهمين الموجودين اليوم كمتهمين، قبل أن يستطرد قائلا: "بنك الخليفة تمّ اعتماده بسرعة وحله بسرعة". وعاد خالد برغل، للقول بأن بنك الجزائر وجّه مراسلة لبنك الخليفة يوم 12 ديسمبر 2002، أي قبل ثلاثة أشهر من حلّه، تتضمن بأن المفتشين لم يتمكنوا من الحصول على كل المعلومات المتعلقة بالتحويلات، لكن المراسلة، التي أظهر برغل نسخة عنها، لا تتضمن أي كلمة عن الإفلاس ولا أي إشارة لأي نوع من العقوبات ضد بنك الخليفة، بالرغم من أن المراسلة صادرة عن المدير العام لبنك الجزائر، إضافة إلى مراسلة ثانية قال بأنها صادرة عن بنك الجزائر من طرف نفس الشخص يطلب فيها من عبد المومن خليفة إعادة رسملة بنك الخليفة، غير أن الواقع حسب خالد برغل هو أن "التقارير تمّ تجميدها من طرف قوة أعلى من قوة بنك الجزائر، لكن مسؤولي بنك الجزائر يتحججون اليوم، بأعذار ويا له من عذر أقبح من ذنب، حسب المحامي. جميلة بلقاسم:[email protected]