تكشف الإحصائيات الأخيرة، عن استحواذ رجال أعمال على أزيد من 280 ألف هكتار من الأراضي الفلاحية منذ الاستقلال، رغم تجريم الدستور للانتهاكات الصناعية للمساحات الفلاحية الخصبة، وتلقت الحكومة في المدة الأخيرة شكاوى متكررة من الفلاحين الذين باتوا يتخوفون من محاولات "غير يائسة" من بعض المتعاملين الخواص، لتجريدهم من أرضيهم الفلاحية وتحويلها لصالح مشاريع استثمارية. وتأسف الخبير والمستشار الفلاحي عيسى منصور في تصريحات ل"الشروق"، من الانتهاكات المسجلة في نهب الأراضي الفلاحي، قائلا "كنا في السابق نهتم بحماية الأراضي الفلاحية من التصحر والانجراف وأصبحنا نخشى عليها الآن من غزو الإسمنت". واعتبر أن "العقار الفلاحي هو الرأسمال الحقيقي للأمة والمحافظة عليه هو مسؤولية المجتمع ككل". وكرس قانون التوجيه الفلاحي الصادر سنة 2008 مبدأ حماية الأراضي الفلاحية ومنع تحويلها عن طابعها الأصلي، كما أن المادة 19 من دستور 2016 تقر بضمان الدولة للاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها للأجيال القادمة كما تحمي الدولة الأراضي الفلاحية. لكن كل هذه الأحكام القانونية لم تردع المتعاملين الخواص وتحثهم على وقف زحف الإسمنت الذي أكل الأخضر واليابس. واتهم عيسى منصور، الخواص الذين استحوذوا على الأراضي الفلاحية وحولوها عن طابعها الأصلي بإقامة سكنات ومصانع، مشددا: "لكن الانتهاك يكون أيضا من طرف السلطات المحلية تحت ذريعة إقامة المشاريع التنموية والمشاريع ذات المنفعة العامة". وأعاب نفس المتحدث تقليص المساحة الفلاحية التي تمثل 8.5 ملايين هكتار فقط أي 3.5 بالمائة من المساحة الإجمالية، متسائلا، كيف لنا أن نقلص من هذه المساحة إذا أردنا أن تكون الفلاحة بديلا للمحروقات؟ كيف ننتهك الأراضي الفلاحية في الشمال ونقيم المشاريع الفلاحية في الجنوب؟ هذه مفارقة عجيبة وغير مفهومة، بحسب الخبير الفلاحي. وبلغة الأرقام أحصى عيسى منصور، من 250 إلى 280 ألف هكتار تم تحويلها عن طابعها الأصلي منذ الاستقلال، مع مواصلة العملية من دون أن يكون القانون والدستور قادرا على إيقاف هذا النزيف "العقاري" الذي ستكون له عواقب وخيمة على القطاع الفلاحي، والمساس بالأمن الغذائي. ويقترح أهل القطاع ومختلف الفاعلين على الحكومة، وضع مرسوم وزاري مشترك لاقتطاع الأراضي الفلاحية بغرض إقامة مشاريع عقارية أو صناعية، من دون الإفراط في استعمالها من قبل السلطات المحلية إلا للضرورة القصوى لأن الأراضي الفلاحية لا يمكن تعويضها، بالإضافة إلى الضرب بيد من حديد لأولئك الخواص الذين نهبوا أراضي فلاحية دون الخوف من سلطان القانون.