هل نحن مستعدون لنجوع من أجل فلسطين؟ أم إننا "شاطرون" فقط في ترديد أغنية "سنفطر في القدس" وتصديق كذبة جميلة لن تتحقق أبدا مع الجيل الحالي، حكاما ومحكومين؟ سؤال تبادر إلى ذهني بمجرد الاستماع إلى كلمة يتهم فيها العاهل الأردني عبد الله الثاني "جهات دولية" بالضغط عليه ومساومته على موقف الأردن من القدس! اتهامات ملك الأردن تأتي في ظلّ "ثورة غضب كبيرة" تشهدها المملكة الهامشية منذ نحو أسبوع وأدت إلى سقوط حكومة وإقالة عدّة مسؤولين، كما يخشى البعض أن تمتد إلى المطالبة بإسقاط النظام برمته، طالما أن محرّك هذه الثورة هو الطبقة الوسطى من العمال والمهنيين الذين يرفضون ارتفاع الأسعار وزيادة الضريبة على الدخل ويتَّهمون السلطة بتجويعهم! العاهل الأردني قال إنه يتعرَّض للمساومة عقب توقف المساعدات الخليجية التي كانت تعتمد عليها عمّان بشكل كبير، فضلا عن عقوبات اقتصادية أخرى غير معلَنة وسحب استثمارات مهمة نتيجة مشاركة الملك في مؤتمر "نصرة القدس" بإسطنبول، فهل يمكن الحديث عن مساومات وضغوط وعملية ابتزاز فعلا، أم إن الملك الأردني هو من يستعمل فلسطين لإنقاذ رأسه وعرشه؟! ثم إذا كانت السعودية والإمارات قد سحبتا استثماراتهما ومساعداتهما فعلا، فماذا عن المحور الآخر؟ أين هي استثمارات قطر التي تزعم توسّعَها رغم الحصار؟ وماذا عن الدور التركي الذي طالما خطط له أردوغان ليكون شاملا ومؤثرا في كل المنطقة؟ الواقع، أنه لا الدوحة "المحاصَرة" منذ سنة، ولا تركيا المهمومة بانتخابات جديدة، يمكنهما التدخل، ما يرجّح قبول الأردن للمساومة خصوصا أن الإدارة الأمريكية تلعب دورا محوريا في رعاية ما يُسمى "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية! من يستعمل فلسطين حقا؟ هل تستعملها الأنظمة الضاغطة على الأردن وقد تفعل الأمر ذاته غدا مع دول أخرى "من بينها الجزائر" تمتنع عن السير في الركب وترفض "صفقة القرن"؟ أم تريد الأنظمة المفلسة داخليا، من خلال دعمها للقضية، إثبات وطنيتها وتبرير فشلها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا في لحظة حرجة وفارقة؟ وفرضاً صدّقنا ملك الأردن في كلامه، هل الشعوب العربية قادرة على تحمّل الجوع نصرة لفلسطين وللأقصى؟ أم إنها ستكتفي بالغناء "سنفطر في القدس"، وفي وقت الجدّ سيتحول الشعار إلى "سنفطر.. على القدس وبالقدس"؟! صفقة القرن قادمة لا محالة، سواء وافق عليها الأردن أم لا، وسواء بقيت الحكومة الحالية أم تغيرت، وسواء صمد هذا النظام أم سقط، لكن الأمر لن يقتصر على الأردن الهش داخليا، بل سيمتد إلى الجميع طالما لم نحصِّن اقتصادنا ولم نسمح بآليات ديمقراطية حقيقية للتغيير السلمي بعيدا عن ثورات الغضب والتخريب، وطالما لم نتعلم من فلسطين وعن فلسطين، سوى ترديد الشعارات والأغاني والأناشيد.