يغذي "المرتزقة"، أو الجنود "المأجورون" الذين يعملون من أجل المال، أو "كسب لقمة العيش"، لا من أجل هدف سياسي أو قضية، حروب الشرق الأوسط. وبات المرتزقة يشكلون "جيش احتلال" من نوع آخر، و"سوقاً" للتجارة، لا تقل خطورة عن "الجيوش" النظامية التي تتقاتل في المنطقة. ومن العراق، إلى ليبيا وسوريا، فاليمن، "احتل" المرتزقة، ساحات المعارك، أحياناً ب"ثوب" قديم – جديد، كشركة "بلاك ووتر" الأمريكية، عرابة الاحتلال الأمريكي لهذا البلد، منذ عام 2003، والتي تبدلت أسماؤها مراراً، لكنها ظلت متمسكة بهدفها الأساس، وهو نهب ثروات العراق واستغلالها، وتبديد مصالحه المالية، وفرض نفسها كقوة عسكرية، بديلة للجيوش النظامية في القرن الواحد والعشرين. وفي اليمن، تتراشق الجهات المتصارعة الاتهامات من خلال الإعلام بجلب المرتزقة، لتثبيت نفوذها، ويبرز كثيراً في الإعلام دور المرتزقة الذين استخدمتهم الإمارات، في هذا البلد، لتوسيع سيطرتها، لا سيما في الجنوب. أما سوريا، فقد طفا إلى السطح أخيراً دور "شركة فاغنر" الروسية، في دعم نفوذ موسكو المساند لنظام الأسد، وسلط هذا الدور الضوء على السياسة العسكرية الروسية المعتمدة في سورية، والتي تقتضي باستغلال المرتزقة، رغم التعتيم على دورهم ووجودهم، لتقليص نسبة الخسارة في صفوف الجنود الروس. وفي ليبيا، يكثر الحديث عن دور المرتزقة في دعم نفوذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على الشرق الليبي، وهو الطامح إلى السيطرة على ليبيا ما بعد الثورة، ربما قد يكون استخدم المرتزقة، تماماً كما استخدمهم النظام الليبي السابق، قبيل سقوطه. أفارقة من تشاد والنيجر، وقوات "معارضة" سودانية، وغيرهم، تشير تقارير عديدة، أكدها خبراء أمميون، إلى ضلوعهم في المشهد الليبي الدموي إلى جانب اللواء المتقاعد، ما سهل أيضاً، بحسب هؤلاء الخبراء، انتعاش ظاهرة التهريب، والسرقة، وعمليات النصب، في صحاري ومدن هذا البلد الذي يعيش فوضاه الخاصة. وفي دول الخليج برزت ظاهرة المرتزقة بشكل كبير، إذ باتت "الشركات الأمنية" علامة فارقة، في عدد من الأنظمة هنالك. "الموت لأجل لقمة العيش" كم يتقاضى الجنود المأجورون في شركات المرتزقة؟ يأخذُ المرتزقة، أو الجنود المأجورون، أكثر فأكثر، شكل الجيوش النظامية التي تخوض حروباً في العديد من مناطق الصراعات، ومع انتشار ظاهرة خصخصة الحروب، توسّع دور المرتزقة، وباتت الشركات الأمنية الخاصة تستغل ملايين الشباب من حول العالم، خصوصاً من المناطق الفقيرة، للانخراط في عملياتها العسكرية والأمنية. وبحسب خبراء عسكريين واقتصاديين دوليين، فإن الدافع المادي يُشكل السبب الرئيسي وراء انخراط ملايين الشباب حول العالم في هذه الشركات، فالراتب الذي يتم تقديمه للمرتزقة، يفوق بعشرات الأضعاف معدل الأجر الرسمي المعمول به في دول عدة. وبحسب شهادة أدلى بها في إحدى المحاكم الأمريكية مرتزقٌ سابق، يدعى غوستافو مارشيلو، وكان يعمل سابقاً في القوات البحرية الأمريكية، فإن "الراتب الشهري المرتفع، البدلات، التدريبات، يشجع الناس على الانخراط في مثل هذه الأعمال". يؤكد خبراء دوليون أن انعدام الفرص الوظيفية، وارتفاع حدة الفقر في دول أمريكا الجنوبية، إفريقيا، وغيرها، يشكل الدافع الرئيسي للمرتزقة للقيام بالمهام الموكلة إليهم، خصوصاً أن معدل الأجور التي يتلقونها يراوح ما بين 500 وألف دولار يومياً، ويمكن أن يرتفع بحسب طبيعة الأعمال. ووفق تقرير منشور في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، هناك عوامل عدة تساعد في تحديد الأجر، منها طبيعة العمل أو المهمة الموكلة، إذ تتنوع المهام بين لوجستية، تنفيذية، مراقبة وحراسة، وخوض معارك وحروب. وعلى سبيل المثال، تدفع شركة "بلاك ووتر"، التي تم تغيير اسمها إلى "أكاديمي"، ما بين 300 إلى 600 دولار يومياً للمهام العادية، وترتفع الأجور للمدراء التنفيذيين، وفئات النخبة من المحاربين إلى 1500 دولار يومياً، كما تختلف الأجور بحسب طبيعة المكان أو البيئة التي يتواجد فيها المرتزقة. في العراق مثلاً، خصوصاً في مناطق التوتر والحروب والصراعات، يصل راتب الجندي المأجور إلى نحو ألفي دولار تقريباً في اليوم، ما يعني نحو 60 ألف دولار تقريباً شهرياً. وبحسب تقرير نشر العام الماضي في موقع "ديلتا كويست ميديا"، بعنوان "المرتزقة، ماذا يفعلون وكيف تصبح منهم؟"، فإن المؤهلات التي تطلبها هذه الشركات لتجنيد المقاتلين المأجورين، تتطلب "مهارات جسدية، كالطول، والبنية القوية، بالإضافة إلى خبرات في الأعمال العسكرية"؛ ولذا يجد الكثير من الجنرالات المتقاعدين في الجيوش النظامية، أو الجنود الذين يبحثون عن موارد مالية أكبر، فرصة لهم للالتحاق بمثل هذه الشركات، التي تنخرط في الحروب والمهام الأمنية، بموجب عقود مع الدول، تحصل لقاءها على مليارات الدولارات. ولا تكتفي هذه الشركات بإغراء أولئك القادرين على القتال أو القيام بمهام أمنية بالمال، وإنما تقوم بتدريبهم في معسكرات خاصة قبل استلام مهامهم. يذكر التقرير نفسه أنّ "هذه الخبرات تؤهل العنصر لكي يصبح مرتزقاً يتقاضى راتباً بين 500 وألف دولار يومياً، وفي حال كان المرتزق يمتلك قدرات ومؤهلات عالية، كإتقان لغات مثل العربية، الإنجليزية، الإسبانية، أو الصومالية، أو لديه خبرات عالية في الأعمال العسكرية، كمشاركته في حروب سابقة، أو أنه من العناصر الأمنية النظامية، فإن الأجر يرتفع. يتقدم طالب العمل إلى المواقع الالكترونية الخاصة بالشركات الأمنية، ويتم تحديد موعد لمقابلته". وهكذا، من خلال إجراءات واضحة وعلنية منشورة على مواقع هذه الشركات، يتم تجنيد فقراء من حول العالم، بدون أن تتدخل دولهم المعنية لمنع استغلال مواطنيهم لزجّهم في الحروب، أما ذوو الخبرة القتالية، ممن خدموا في الجيوش النظامية للدول الكبرى برتب عالية، فإنهم يتوّلون مراكز قيادية ويعملون كمدربين في هذه الشركات. وعادة ما تشجّع دول رأسمالية كبرى، كالولايات المتحدة، على تجنيد هؤلاء في شركات القتال والأمن الخاصة، كونها تستفيد منهم في مهام داخلية أو خارجية، لتنفيذ أهدافها بعيداً عن البيروقراطية والقيود القانونية التي تفرضها المؤسسة العسكرية الرسمية. وبحسب التقرير ذاته، هناك طرق أخرى "لاختيار المرتزق المحنك، أو أولئك الذين يتسلمون مواقع حساسة في الشركات الأمنية، إذ إن هذه الشركات ترسل في العادة رسائل إلكترونية إلى ضباط في الجيش الأمريكي، وقوات (المارينز) وغيرها لاستقطابهم، عن طريق دفع أجور ورواتب تفوق ما يتقاضونه في وظائفهم بأكثر من أربعة أو خمسة أضعاف". وفي انقلاب لمفهوم القتال التقليدي في صفوف جماعة ما، في إطار "الحروب" بين الجماعات البشرية، فإن شركات الحرب الخاصة تعرض "حوافز مرتفعة تدفع نظير القيام ببعض الأعمال، فعلى سبيل المثال، تدفع للمرتزق نحو 800 دولار في حال تدميره معدات عسكرية ثقيلة، ونحو 400 دولار في حال قتل أحد المطلوبين، ونحو 300 دولار في حال أسر ضباطاً".