ترك الطبيب بشير رحماني أثرا طيبا بنواحي تكوت وآريس بباتنة، وأعطى لمهنة الطب مسحة إنسانية أصبحت عملة نادرة في الوقت الحالي، وعلاوة عن معايشته لآلام مرضى داء السيليكوز الناجم عن حرفة صقل الحجارة، فقد توصل إلى طريقة علاجية مكّنت العديد من النسوة من الإنجاب بعد سنوات من القلق والانتظار، كما سخّر صفحته على الفايسبوك للرد على تساؤلات المرضى، بنصائح ووصفات علاجية دون مقابل. ارتبطت وضعية ضحايا داء السيليكوز بالطبيب بشير رحماني الذي سخّر جهوده لمتابعة المرضى في عيادته الخاصة بمنطقة تكوت، كان ذلك منذ نهاية التسعينيات، حين بدأت أولى حالات مرض السيليكوز في الظهور، وقد حرص الطبيب رحماني على الوقوف بجانب المرضى بجميع الوسائل المتاحة، فضلا عن تنقله إلى منازلهم، قبل أن يتأكد في النهاية من عدم إمكانية التوصل إلى علاج ناجع لهذا الداء، فأجمع كل الأطباء على أن الوسيلة الوحيدة لوقف هذا المرض هي ضرورة التوقف عن ممارسة حرفة صقل الحجارة. وفي هذا المجال يؤكد الطبيب بشير رحماني ل”الشروق” أنه كان يتألم كثيرا لحال ضحايا مهنة الموت، وقال في هذا الجانب: “إذا كان المرضى يموتون بعد معاناة، فنحن نموت معهم مئات المرات”. على صعيد آخر، مكنته خبرته المهنية من الوقوف على الوضعية النفسية والاجتماعية التي تعاني منها النسوة اللاتي يعانين من العقم أو تأخر الإنجاب، وبعد بحث واجتهاد دام سنة، اهتدى إلى طريقة علاجية طبقها على 06 نسوة كلّلت بالنجاح، وأنجبن كلهن، فوسع هذه الطريقة لتشمل حالات من خارج تراب ولاية باتنة، وأخرى من تونس وفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية، ما جعله يبعث البسمة في قلوب عدد هام من النسوة اللاتي عانين الكثير في هذا الجانب، وهذا بعد محصلة جهود بذلها منذ مطلع التسعينيات. درس عند قيدوم وأبركان واختار تكوت على قسنطينة وفرنسا وإذا كان الدكتور بشير رحماني (60 سنة) قد أبان عن وفائه في خدمة سكان مسقط رأسه مباشرة بعد تخرجه من معهد الطب بجامعة قسنطينة، فإنه بنجاحه الدراسي منذ كان في مدرسة تكوت، وتحوله إلى ثانوية مصطفى بن بولعيد بباتنة، وحصوله على شهادة البكالوريا عام 1976 التي جعلته يتحول إلى جامعة قسنطينة، حيث درس على يد باحثين معروفين، على غرار الوزيرين السابقين يحيى قيدوم وعبد الحميد أبركان، والدكتور محمود عثامنة (طبيب الولاية الأولى أثناء ثورة التحرير)، ليلتحق بعد تخرجه عام 1984 بمستشفى باتنة لمدة سنة، في قسم الإنعاش، ورغم رغبته في مواصلة الدراسة في تخصص الطب الداخلي، إلا أنه اضطر إلى التوقف بعد 5 أشهر، بسبب مرض والدته، وطلب التعيين كطبيب عام في تكوت عام 1986، موازاة مع المناوبة في مستشفى آريس، ليفتح سنة 1990 عيادة خاصة، سخّرها لخدمة سكان تكوت وما جاورها معالجا وناصحا وموجها، فكان خير سند للمواطنين في مواجهة الأمراض والأوبئة المنتشرة من حين إلى آخر، بحكم المناخ شبه الصحراوي والموقع الجغرافي المعزول لتكوت. جمع بين الطب والأدب والإبداع بمسحة إنسانية ورغم المتاعب الصحية التي يعاني منها الطبيب بشير رحماني في المدة الأخيرة، إلا أن ذلك لم يمنعه من الوفاء لمرضاه وزواره، موازاة مع الجميع بين الطب والأدب والإبداع، ما جعل الكثير يجمع على أنه شخصية متعددة الاهتمامات، فإضافة إلى كونه طبيبا فهو حقوقي ومثقف يتقن 3 لغات (العربية والفرنسية والإنجليزية)، كما ألف سنة 2002 كتابا باللغة الفرنسية تحت عنوان “أمرير”، الذي ضمّنه بنوع من التفصيل حالته كطبيب في قرية معزولة وبوسائل تكاد تكون معدومة، إلا أنه نجح في الاندماج في مجتمعه، وقدم لهم كل ما يستطيع، كما لديه مشاريع 3 كتب جديدة مكملة للكتاب الأول. ويعد الطبيب بشير رحماني (60 سنة)، من عائلة محافظة ومتشبعة بالعلم، حيث إن والده الشيخ الصادق رحماني يعد من أبرز رجالات الإصلاح، وكان مرجعا هاما لسكان المنطقة، بناء على تكوينه العلمي والديني في جامع الزيتونة بتونس.