الرئيس تبون ينهي مهام والي غليزان    الشركة الجزائرية للتأمين اعتمدت خارطة طريق للرقمنة    هذا زيف الديمقراطية الغربية..؟!    خنشلة: الأمن الحضري الخارجي المحمل توقيف أشخاص في قضيتي سرقة وحيازة كحول    توقيف 05 أشخاص يشكلون شبكة إجرامية دولية    وفاة 3 أشخاص اختناقا بالغاز بعين امليلة في أم البواقي    الرئيس تبون يهنيء ياسمينة خضرا    دراسة مشروع تمهيدي للقانون البحري والمؤسسات الناشئة    الخارجية الفلسطينية تدين اقتحام إسرائيل مدارس الأونروا    الاهتمام بالذاكرة الوطنية واجب مقدس لا يقبل المساومة    "فيات الجزائر" تشرع في تسويق "دوبلو بانوراما"    أدوار دبلوماسية وفرص استثمارية جديدة للجزائر دوليا    إحباط تمرير 7 قناطير من الكيف عبر الحدود مع المغرب    إشادة بمستوى العلاقات الوثيقة بين الجزائر وقطر    مضوي غير راض عن التعادل أمام الشلف    "سوسطارة" تتقدم واتحاد خنشلة يغرق و"السياسي" يتعثر    في سهرة رمضانية..«الخضر» يستقبلون الموزمبيق يوم 25 مارس بتيزي وزو    توقُّع إنتاج كميات معتبرة من الخضروات خلال رمضان    عطاف يشارك بجوهانسبرغ في اجتماع تنسيقي للدول الإفريقية المدعوة للاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين    إطلاق أسماء شهداء ومجاهدين على هياكل تابعة للجيش    مشاريع تنموية واعدة في 2025    دعوة لإنشاء منظمات عربية لرعاية اللاجئين    أيوب عبد اللاوي يمثل اليوم أمام لجنة الانضباط    احتفالات بألوان التنمية    ضمن صفقة تبادل الأسرى.. المقاومة تُسلم جثامين أسرى إسرائيليين اليوم    هذا ما يجب على مريض السكري التقيُّد به    "حنين".. جديد فيصل بركات    تتويج "الساقية ".. بجائزة كلثوم لأحسن عرض متكامل    اللجنة الصحراوية لحقوق الانسان تدين القمع الممنهج للاحتلال المغربي ضد المعتقلين السياسيين الصحراويين    ميلة..استهداف زراعة دوار الشمس على مساحة 530 هكتارا    الدرك الوطني يواصل تنظيم خرجاته الميدانية بمناسبة اقتراب شهر رمضان    مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء: تحيين دراسة الجدوى في غضون 6 أشهر    الكاتب "ياسمينة خضرا" يشكر رئيس الجمهورية على تهنئته له بعد فوزه بجائزة عالمية في مجال الرواية بإسبانيا    متحف أحمد زبانة بوهران ..معرض لطلبة الفنون الجميلة تحت عنوان "شهداؤنا أمجادنا"    مجلس الأمة يشارك بفيينا في الدورة ال24 الشتوية للجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا    المغرب: الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان فاقت كل الحدود    كرة القدم داخل القاعة (دورة الصحافة الوطنية 2025) : عملية القرعة يوم الاثنين المقبل بمركب محمد بوضياف    فلسطين : أبو ردينة يحذر من الحرب الصهيونية الشاملة على شمال الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة    اختتام برنامج حاضنة " مبادرة الفن" بالجزائر العاصمة    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    صِدام ناري بين الريال والسيتي    محطّة جديدة لمعالجة المياه المستعملة بباتنة    إنجاز تاريخي    خط جوّي بين الجزائر وأبوجا    عجال يلتقي وفد من جيترو    خنشلة : أمن ولاية الولاية إحياء اليوم الوطني للشهيد    توقيف قائد مولودية الجزائر أيوب    لبنان يستنجد بمجلس الأمن الدولي    نردّ على الجرم الأبدي بأعمال راقية    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    سايحي يواصل مشاوراته..    صناعة صيدلانية : قويدري يبحث مع نظيره العماني سبل تعزيز التعاون الثنائي    وزير الصحة يستقبل وفدا عن النقابة الوطنية لأساتذة التعليم شبه الطبي    وزير الصحة يستمع لانشغالاتهم..النقابة الوطنية للأسلاك المشتركة تطالب بنظام تعويضي خاص    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحصاء وتثمين إنجازات الحراك والبناء عليها
قبل الدخول بالبلد في مسار الفوضى الخلاقة
نشر في الشروق اليومي يوم 10 - 04 - 2019

من ينظر إلى نصف الكأس المليان للحراك لن يفوته ما تحقق من إنجازات لم تحققها المعارضة في ربع قرن، ليس أعلاها شأنا إسقاط العهدة الخامسة وإسقاط الثمار الفاسدة في شجرة السلطة، وترحيل زمرة الأوليغارك من مواقع صناعة القرار، وأهم منها ضرب مواقع النفوذ الفرنسية في قلب الجولة، فيما قد يتوقف من هو مصاب بعمى الألوان عند نصف الكأس الفارغة بفشل تمرير مشروع الانتقال خارج الدستور.
قضي الأمر ونفذت المادة 102 بانتقال رئاسة الدولة مؤقتا إلى رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح، وطوي إلى حين مشروع الانتقال خارج الدستور مع تسجيل حسرة في القلب مما نكون قد أضعناه من فرص التغيير الآمن للنظام بالتعلق بمطالب الترحيل الأهوج لمؤسسات الدولة ووجوه النظام بدل التركيز على انتزاع أدوات إدارة المرحلة الانتقالية بأمان مع عبد القادر بن صالح أو مع غيره من الباءات الآفات.
أين أضعنا الخيط، وكيف فقدنا البوصلة، ومن أدخلنا مرحلة التيه؟ ليس الشارع هو من يتحمل هذا “الانكسار المؤقت” في مسار التغيير، بل يفترض على الجميع ممن تصدر المشهد في هذه الأسابيع السبعة أن يثمن الدور الرائع للشارع، الذي سمح لنا في الحد الأدنى بوقف مهزلة العهدة الخامسة، وترحيل استحقاق رئاسي كان ملغما، وبلا أفق واعد بالتغيير، حتى لو لم يترشح السيد بوتفليقة، وكان إصرار الشارع على مواصلة انتفاضته بتلك السلمية الرائعة، وبذلك الانضباط المبهر قد مكن من خلخلة الواجهة السياسية للنظام، وفضح زمرة رجال المال وتوغلهم في قلب موطن صناعة القرار ، ووضعهم تحت طائلة المساءلة بالقدر الذي لم يكن بوسع أي معارضة تقليدية أن تنجزه في ربع قرن، وهذا إنجاز كبير سوف تظهر تبعاته حين تهدأ النفوس ويحكم العقل.
تفكيك العصابة المختطفة لموقع الرئاسة
وحتى نثبت بوضوح ما تحقق بفضل دخول الشارع كطرف وازن في معركة التغيير، دعونا نتوف عند فرضية كان من الممكن أن تتحول إلى واقع لو أن “العصابة” التي اختطفت قرار الرئيس كانت استجابت طواعية بعد الجمعة الأولى للمطلب الوحيد الذي رفع فيها برفض العهدة الخامسة، أو كان لها قدر من الحكمة والتبصر، واستبقت الحراك بصرف النظر عن العهدة الخامسة، وبادر النظام قبل تفكك أذرعه السياسية إلى التوافق على مرشح بديل للسلطة كان حتما سيفوز بالرئاسيات، ليجدد النظام لنفسه على الأقل لعهدة أو عهدتين.
وفي مكان ما قد نحمد لهذه “االعصابة” ما أظهرت من عناد ومكابرة، دفعا بالشارع إلى رفع سقف المطالب والدعوة إلى “ترحيل” وجوه الفساد في النظام، وقد حصل فوق ما كنا نتمناه قبل شهرين فقط، وفوق ما كانت تحلم به المعارضة قبل شهور قليلة، وهي التي انفقت سنة كاملة في الدعوة إلى تطبيق المادة 102 قبل أن يدخل جانب منها في مناورة التمديد للعهدة الرابعة ومحاولة اقتسام ريعها مع النظام.
المحبطون من قرار المضي في تدبير انتقال عبر المادة 102 سوف يواصلون الاستثمار في هذا الحراك الشعبي، بمحاولة التقليل من شأن ما تحقق له وللبلد، وقد بدأ الحديث عن “ردة” و”التفاف” على مطالب الشارع، وتحميل مؤسسة الجيش وقيادتها مسؤولية “غلق أبوب التغيير” عبر نقل رئاسة الدولة لرئيس مجلس الأمة، والإبقاء على البرلمان والحكومة، مع أن هذه الأطراف تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية حين دفعت بالشارع إلى مطاردة الظل بدل صيد الفريسة، والفريسة ليست هذه المؤسسات الذاهبة إلى الزوال حتما أو إلى تغيير ينفذ مع الوقت عبر الصناديق.
فقبل أن تثبت استقالة الرئيس، كان بوسعنا أن ننتزع من الرئيس قرارا واحدا يؤمن لنا فرصة إنجاز التغيير عبر إنشاء “هيئة مستقلة لإدارة ومراقبة الانتخابات” نذهب معها إلى مسار انتقالي آمن، يبدأ بانتخاب رئيس في استحقاق غير مطعون فيه بالتزوير، ومنها إلى تشريعيات تجدد البرلمان وربما تغير خارطته السياسية مع هذا التجنيد الشعبي الكبير، لنبدأ في التأسيس لجمهورية جديدة، تمر حتما عبر صياغة دستور جديد يحتاج في الحد الأدنى إلى خمس سنوات من الحوار والنقاش الهادئ، ولم لا يصاغ على يد هيئة تأسيسية منتخبة.
تحكيم العقل قبل الدخول بالبلد في مسار الفوضى
الآن وقد قضي الأمر، أمام الطبقة السياسية والنخب، ومنها تلك التي تصدرت المشهد طوال الأسابيع السبعة، أن تمنح نفسها مهلة تفكير وتدبر في ما ينبغي لها أن تصوغه من مواقف حيال الخطوات القادمة، وليس لها خيارات كثيرة، قد نلخصها في ثلاثة خيارات:
الأول: أن تبني على ما هو قائم، فتثمن بعقلانية ما تحقق من إنجازات ندين بها لطرفين لا غير: الشعب وجيشه اللذان أطاحا بواجهة النظام، ووضعا حدا لعبث عصابة المال والجهة المختطفة لقرار الرئيس، ثم تجتهد وتستعين بنفس الشارع لتأمين الاستحقاق الرئاسي القادم من التزوير كما فعلت جبهة الإنقاذ في تسعينيات القرن الماضي، والدخول بعدئذ في مسار تغيير متدرج لا يحرق المراحل، ولا يعرض أمن واستقرار البلد إلى التهديد.
الثاني: أن تستسلم وتعود إلى عادتها القديمة بالدخول في محاصصة مشبوهة مع ما بقي من فلول النظام، تريد حصتها من ريع المرحلة الانتقالية واقتسام المغانم، وربما قد يروق لبعض وجوهها أن يصرف النظر عن مطلب التغيير الذي كان يهددها بالزوال مثلما كان يهدد أحزاب الموالاة ونخب النظام العضوية.
الثالث: أن تركب حصان المزايدة والتصعيد الأخرق بتهييج الشارع فوق ما يحتمل، والدفع به إلى خروج أهوج عن السلمية التي حققت له فوق ما يمكن لأي ثورة عنيفة أن تحققه، لنكون وقتها أمام مسار ملغم خطر، قد بدأنا نرى بعض مقدماته في ما يحصل في الجزائر العميقة من انفلات متدحرج، بدأ بالسطو على آلاف السكنات الشاغرة، ومشاغبة متصاعدة في كثير من البلديات، سوف تتبع عما قريب ببروز مطالب فئوية قد تعطل النشاط الاقتصادي، وأخطر منها أن يدخل البلد في مواجهات بين المواطنين وقوى حفظ الأمن، تتدحرج إلى مواجهة مفتوحة مع مؤسسة الجيش، تكون حتما منفذا لدخول أطراف خارجية متربصة، رأيناها تتحرك غرب وشرق البلاد بأكثر من مناورة.
ترحيل فرنسا من موطن صناعة القرار
ثمة مكسب آخر، قد يكون في تقديري أكبر مكسب تحقق لهذا الحراك، تم تجاهله وصرفت النخبة عنه النظر على استحياء، باستثناء ما رفع في الجمعة الخامسة من شعارات تندد بالتدخل الأجنبي والفرنسي منه على وجه التحديد. فمن نافلة القول أن أكثر الجهات الأجنبية تضررا من الحراك هي فرنسا، التي سارعت من قبل إلى مباركة مرحلة انتقالية بقيادة الرئيس المختطف قراره، قبل أن ينتقل خطابها الرسمي إلى تأييد معلن لدعوات الانتقال خارج الدستور، فيما انبرت صحافتها إلى وصف قرار استقالة الرئيس بالانقلاب العسكري رغم تشبث مؤسسة الجيش بواجب احترام الدستور.
والواقع أنه قد حق لفرنسا أن تنزعج مما حصل من تناغم بين مؤسسة الجيش والحراك، وهالها ما أظهره الشارع من رفض صاخب للموقف الفرنسي، وهالها أكثر ما جرى من تجريف لبؤر نفوذها داخل مؤسسة الرئاسة المتحلقة حول الثنائي “السعيد بوتفليقة علي حداد” وشعرت بهزيمة منكرة بعد إفشال مؤسسة الجيش للمؤامرة التي جمعت هذا الثنائي برأس بقايا جهاز “الدي إير إيس” المحل، ولم تستوعب بعد تبعات استرجاع مؤسسة الجيش لمؤسستي الأمن الداخلي والخارجي اللتين كانتا تحت ولاية الجنرال طرطاغ، وعبره تحت ولاية الطرف المختطف لقرار الرئيس، لتفقد آخر “عين” لها، بعد أن فقدت من قبل عينها داخل مؤسسة الجيش.
إعداد البلد لمواجهة قادمة مع عدو البلد رقم واحد
ما نعلمه يقينا أن خيط التواصل بين فرنسا ومؤسسة الجيش الوطني الشعبي مقطوع منذ انتهاء مؤسسة الجيش من تطهير صفوفها من ضباط فرنسا، ولم ينجح الفريق الموالي لها في قلب الرئاسة من حمل المؤسسة على الانفتاح على فرنسا، لا من جهة التسليح، ولا من جهة التعاون والتنسيق الأمني في منطقة الساحل، ولم يكن بوسع مؤسسة الجيش أن تفتح صفحة جديدة مع فرنسا، التي نراها تجتهد في زرع بؤر النار حول البلاد في ليبيا ونيجر ومالي، وتوظف ما تمتلك من قوة ونفوذ داخل الاتحاد الأوروبي وفي مجلس الأمن لتشجيع المغرب على تقويض مسار الحل السياسي لملف الصحراء الغربية، بل إن أغلب سلوك الدولة الفرنسية في الاقتصاد كما في السياسة، وفي القضايا الأمنية، قد جعلت من فرنسا بالضرورة “العدو رقم واحد” للجزائر ولجيشها الذي أنفق عقدين من الزمن لإعادة رتق ما فتقه ضباط فرنسا في العشرية السوداء، ودخل في مرحلة إعداد لمواجهة قادمة مع المحتل السابق، تحتاج بالضرورة إلى تطهير الجبهة الداخلية من الزمر العميلة من بقايا حزب فرنسا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.