عاد هذه الأيام عدد كبير من العلماء والدعاة المسلمين وخصوصا بمصر لإصدار فتاوى بإهدار الدم، وخصت هذه المرة منتجي فيلم براءة المسلمين، وممثليه وكل من شارك فيه، حيث عرفت خطب الجمعة الماضية إصدار عدد كبير من هاته الفتاوى بغالبية مساجد مصر التي ينحدر منها إثنان من المشاركين في الفيلم من الأقباط المسيحيين. وأعادت هذه الموجة من الفتاوى تاريخ الفتاوى التي تم إصدارها ضد عدد من الكتاب والمثقفين خلال السنوات الماضية بعد تهجمهم على الإسلام والقرآن أو تطرقهم إلى تفاصيل تعتبر من الطابوهات لدى المسلمين. وكان الشيخ أمحمد حملاوي عضو ما يعرف بلجنة الدفاع عن المقدسات الإسلامية قد أفتى الجمعة الماضية أنه يتوجب "إهدار دم منتجي الفيلم والقصاص منهم "، وهو ما ذهب إليه الشيخ أحمد طه، أحد قادة الجماعة الإسلامية بمصر الذي أهدر دم أصحاب الفيلم ودعا إلى قتلهم "باعتبارها اللغة الوحيدة التي يفقهها هؤلاء"، في حين ذهب الشيخ جمال صابر إلى الدعوة الصريحة للجهاد نصرة للرسول الكريم خلال خطبة الجمعة بميدان التحرير. أما أخطر فتوى تم تداولها بالمواقع الإلكترونية وعبر وسائل الإعلام فهي تلك التي أطلقها الداعية السلفي "أحمد فؤاد عشوش" الذي أجاز صراحة قتل منتجي الفيلم وممثليه وكل من شارك فيه، ولاقت هذه الفتوى رواجا كبيرا بالمنتديات المناهضة للمسيئين للإسلام والمواقع الجهادية والسلفية. وكان العالم قد عرف قبل سنوات فتاوى مماثلة ضد عدد من الكتاب والروائيين الذين أساءوا للإسلام والقرآن أو الرسول الكريم، ولعل أشهرها تلك التي صدرت ضد مؤلف كتاب "آيات شيطانية" سلمان رشدي الذي رصدت إيران جائزة مالية لمن يأتي برأسه وصلت إلى حدود 3.3 ملايين دولار، غير أن الفتوى لم تجد طريقها للتطبيق بسبب الحراسة المشددة التي تطبق على الكاتب في لندن، وهو نفس المصير الذي لاقته الفتوى التي أهدرت دم الكاتبة البنغالية "تسليمة نسرين" التي طالبت سنة 2002 في كتابها "العار" بمراجعة القرآن الكريم ليعطي حقوقا أكبر للمرأة، حيث ماتزال الكاتبة المعنية تنعم بالحماية من قبل سلطات دولة السويد التي وفرت لها الحماية كاملة بعد فرارها من بنغلاديش التي أصدرت حكما بسجنها، وهو نفس المصير الذي لاقاه مواطنها "داؤد حيدر" الذي فر أيضا من بنغلاديش بعد أن استباح المسلمون هناك دمه. في حين ماتزال الكاتبة المصرية بسنت رشاد مؤلفة كتاب "الحب والجنس في حياة النبي" الذي تطرقت فيه إلى علاقات الرسول الجنسية والعاطفية مع زوجاته وتهجمت فيه بشدة على الإمام البخاري، تعيش بمصر مدافعة عن كتابها ورافضة لكل الفتاوى التي أطلقت بإهدار دمها ورفض توبتها من جديد. والغريب في هذه الفتاوى أنها بقيت جميعها دون تنفيذ بعد أن تكفلت الدول الغربية بتوفير الحماية اللازمة للمعنيين بها إلى درجة إخفائهم التام حتى عن ذويهم ومعارفهم، بل زادت عن ذلك بتكريمهم ومكافأتهم بجوائز رسمية، حيث تسلم سلمان رشدي جائزتين بعد كتابه سنة 1988 من السويد والمفوضية الأوروبية. وتستغل بعض المواقع الإلكترونية حاليا أي مناسبة دينية أو استفزاز للمسلمين لإعادة إحياء هذه الفتاوى والترويج لها مثل ما حدث مع سلمان رشدي الذي كاد العالم أن ينساه لولا حادثة الفيلم المسيء للرسول الذي أعاده للواجهة ورفع مكافأة قتله إلى 3.03 ملايين دولار. ولم تنفذ من هذه الفتاوى التي أهدرت دم كتاب أو رجال الفن سوى تلك التي شملت المخرج الهولندي المثير للجدل "ثيو فان غوخ" بسبب فيلمه "الخضوع" الذي صور فيه سوء معاملة المرأة في الإسلام من خلال ربطها بنصوص قرآنية والذي قتله مسلم هولندي من أصول مغربية.