منذ البداية، ردد الجزائريون هذا الشعار “البلاد بلادنا ونديرو راينا” كتعبير شديد البلاغة والتأثير عن “الانتفاضة” التي يريد الشعب من ورائها استعادة القرار من زمرة بات وصفها بالعصابة دقيقا ومتداولا، لدى الصغير قبل الكبير، ولعل مثل هذا الشعار لم يعكس فقط الرغبة باستعادة سلطة القرار لكنه اختزل رفضا تقليديا لأيّ شكل من أشكال التدخل الأجنبي، وقد رافقه في البداية ومنذ الجمعات الأولى شعار “مكانش الخامسة يا أولاد فرنسا” ليكون ردا أيضا على الوزير الأول السابق والمسجون في الحراش حاليا، أحمد أويحيى، هذا الذي وقف يوما أمام البرلمان ليستفز ملايين الجزائريين مرددا بأن: الجزائر في طريقها لتشهد مصيرا مشابها لما وقع في سوريا، حيث بدأت الانتفاضة بالورود، وانتهت باستعمال الورود! خاب مسعى أويحيى وسيخيب مسعى جميع من يسير على خطاه ويريد تحويل الحراك عن اتجاهه الصحيح، أو استغلال مناسبة كروية لتمرير أغراض سياسية ضيقة! سبب هذه المقدمة، محاولة البعض تحريض الأنصار الجزائريين ومعظمهم ممن شاركوا في الحراك “ومازالوا على العهد باقون” من أجل استعمال شعارات سياسية “جزائرية الصنع والهوى” في ملعب القاهرة الدولي، وبمناسبة نهائي أمم إفريقيا أمام السنغال، تحريض “رخيص” وغير بريء، الهدف منه الدفع بهؤلاء الشباب ليكونوا وقودا للفتنة، خصوصا بعدما أثبت الحراك للعالم أجمع سلميته الشديدة من حيث المبدأ والمسار والنتائج! ما معنى أن يطالب مثلا، البعض ممن لم يشارك في الحراك أصلا، ولم يحضر”أي جمعة من جمعاته” الشباب بترديد شعارات “الثورة ضد العصابة” في ملعب غير ملعبنا وبلد غير بلدنا، وفي محفل دولي لا علاقة بالسياسة؟ صحيح أن الانتفاضة التي اختمرت في قلوب وضمائر الجزائريين لعقود طويلة، كان منبتها الأول في ملاعب الكرة، لكنها كانت ملاعبنا ومدرجاتنا، وبين أنصارنا، ولا علاقة لها بالآخر! وهنا، قد لا يكون مستبعدا أن الهدف من وراء تلك الدعوات السخيفة أيضا، ضرب مصداقية الحراك، وتقسيمه أكثر مما هو منقسم، وتشتيت شعاراته، والنيل من سلميته! أن يحضر عبد القادر بن صالح هذا النهائي، فهو أمر متوقع، ولم يكن مفاجئا، بالنظر لصفته كرئيس للدولة، حتى وان كان لا يتمتع بتلك الشرعية ولا الشعبية، لكنه أمر داخلي بحت، على الجزائريين أن يقابلوه بالتجاهل “وذلك أضعف الإيمان” مع التركيز على مناصرة منتخبهم كل الوقت لتقديم صورة مشرفة عن البلد، بدلا من الركض وراء الوهم الذي يحاول البعض تصديره إلينا بحجة تدويل الحراك وشعاراته! ولعله من نافلة القول، التذكير هنا، باختلاف مصر عن الجزائر، بدليل أن السياسة التي باتت ممارستها أو رفع شعاراتها تثير حساسية لدى النظام السياسي هناك، لن يكون نافعا استعمالها عمدا للاستفزاز، وقد شاهدنا ما وقع لبعض المناصرين الجزائريين، من سجن واعتقال وترحيل، واللوم هنا يقع أيضا على المسؤولين الجزائريين الذين وفروا الجسر الجوي دون تأطير ولا حماية استباقية! يتخوف جزائريون من تحوّل فرحتنا بما يقدمه المنتخب الوطني من انجاز على مستوى “أمم إفريقيا” إلى أداة للإلهاء عن الحراك، ووسيلة لإبعاد الشعب عن قضيته الأساسية في تحقيق التغيير! هؤلاء على حق، بالنظر لما كان يقوم به بوتفليقة وغير بوتفليقة في جعل الكرة وسيلة للتعمية وليس للتسلية! لكن الجزائريين هذه المرة، حتى وهم يفرحون بالكرة وبالمنتخب، يتحدثون عن ضرورة الحراك، ويقولون إن هذه النتائج سببها التخلص من بوتفليقة، لا بل وتحول بلماضي إلى الشخصية التوافقية الوحيدة التي يتحد الجزائريون على وجودها والباء الوحيدة التي يرفعون اسمها بكل فخر واعتزاز! هذا هو الفارق، إننا نفرح ببونجاح وآدم الوناس وبلايلي، لكننا نتكلم عن الدستور والشارع والتغيير! الكرة لم تعد وسيلة للإلهاء والتفرقة، بل فرصة للتركيز والتوحد، أو بتعبير آخر: ما فرقته السياسة في الأشهر الأربعة الماضية وحدته الكرة، وما أدراك ما الكرة!