أدرك الحراك جمعته الثالثة والعشرين بنفس المطالب القاضية بإبعاد رموز النظام البوتفليقي، متمسكين بالشعارات الداعية إلى رحيل رموز النظام السياسي وورثته والمفسدين المتورطين في الفساد السياسي والمالي تحت شعار “ستحاسبون فوق الأرض أو تحت الأرض أويوم العرض”، مطالبين بإيجاد حل يتماشى مع انشغالات القاعدة الشعبية “صاحبة السلطة”. رغم وعود بن صالح بإجراءات التهدئة والنظر في إمكانية تخفيف النظام الذي وضعته الأجهزة الأمنية لضمان حرية التنقل، إلا أن الجمعة رقم 23 بدت كسابقتها من جمعات الحراك، حيث تم تسجيل ازدحام كبير على مستوى الطرق السيارة، بسبب السدود الأمنية لرجال الدرك، أو بوسط العاصمة التي شهدت انتشارا كثيفا لرجال الأمن. المتظاهرون يردون على مجموعة الحوار وكالعادة، لم يتخلف العاصميون عن موعد “جمعة الثبات” كما أطلق عليها المتظاهرون، حيث شرعوا منذ الفترة الصباحية في حدود الساعة العاشرة و45 دقيقة، في التجمع بساحتي “أودان” والبريد المركزي والجامعة المركزية، التي أصبحت قبلة للمتظاهرين منذ المسيرة الأولى لجمعة 22 فيفري الماضي، إذ لم يثن الطوق الأمني الذي فرض على العاصمة ولا حرارة الجو المتظاهرين عن تلبية نداء التظاهر السلمي ولا كفت حناجرهم عن ترديد الشعارات المطالبة بالتغيير الجذري لنظام بوتفليقة، وعدم الالتفاف على مطالب الحراك، حيث عبروا عن استيائهم من منطق” الصم البكم” الذي تمارسه السلطة راعين شعار “صامدون.. مواصلون”، ومرددين هتافات تدعو إلى رحيل كل المحسوبين على “العصابة” والوزير الأول مع حكومته، وكذا التمسك بتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور. وفي حدود الساعة ال 11.20 صباحا انطلقت المسيرة حيث عرفت الذروة في حدود الواحدة و36 دقيقة، حيث تضاعف العدد بشكل ملفت للانتباه بعد الخروج من صلاة الجمعة، مما جعل ساحة البريد المركزي تتزين بعلم الشهداء، وسار المتظاهرون في مسيرات حاشدة على مستوى عدة شوارع رئيسية بقلب العاصمة، على غرار شارع عسلة حسين وزيغود يوسف، وحسيبة بن بوعلي، وفرحات بوسعد وغيرها. ورفع بعض المتظاهرين شعارات رافضة لتشكيلة لجنة الحوار التي أعلن عنها الخميس من مقر رئاسة الجمهورية.. وأكدوا أن الشعب هو صاحب القرار و”ماكانش انتخابات يا العصابات”، ورددوا مطالبهم الداعية إلى رحيل الوجوه المحسوبة على النظام السابق وضرورة إرساء أسس دولة ديمقراطية تعود فيها الكلمة للشعب واتخاذ أسلوب الحوار دون إشراك الوجوه القديمة.. كما رفعت الشعارات المألوفة المنادية بتكريس سيادة الشعب “الجزائريون خاوة، خاوة” “السيادة للشعب وحده”. الشعب يريد تطبيق أقصى عقوبة على العصابة وتركت الشعارات المرفوعة في المسيرة الإحساس بوجود آمال شعبية عريضة معلقة على جهاز العدالة لأجل مواصلة محاسبة كل من تورطوا في نهب أموال الشعب على غرار تلك الهتافات التي رددت مطولا والقائلة: “يا قضاة الجزائر رانا موراكم.. زيدوا ارسلوا لي مازالهم”، و”يا قضاة الجمهورية شعبكم هو الشرعية” إضافة إلى الشعار المألوف”، “العصابة تحت المراقبة.. والعدالة مطالبة بتسليط أقصى عقوبة”. كما طالب المتظاهرون من القضاء بضرورة توسيع دائرة التحقيقات لتشمل رؤساء الفساد المعروفين من رؤساء البلديات والدوائر والولاة ومديري المؤسسات والشركات وجميع من له علاقة بنهب أموال الشعب وسمح لنفسه أن يعيث فسادا في خزينة الدولة طولا وعرضا. وتميزت مسيرة الجمعة رقم 23 بإقامة صلاة الغائب، على روح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، حيث شارك في الصلاة، التي عرفت تنظيما محكما، مئات المواطنين عبر ساحة موريس أودان والجامعة المركزية. الحراك الشعبي في جمعته رقم 23 مسيرات على أنغام “وان..تو..ثري..فيفا لالجيري” في وجود عدد كبير من الشباب والأطفال، كان واضحا بأن مسيرات الجمعة 23 في مختلف المدن الجزائرية، وفي الجزائر العميقة كانت مزيجا من فرحة التتويج باللقب القاري، فإذا كانت الجمعة الماضية قد جعلها الجزائريون للتفاؤل بفوز الخضر باللقب القاري على بعد ساعات قليلة من مواجهة الدور النهائي أمام السنغال، فإنها في الجمعة 23 كانت لإعلان الأفراح وتبني الإنجاز الكبير الذي حققه جمال بلماضي، خاصة أن هذا الأخير ولاعبيه اعتبروا فوزهم باللقب الإفريقي هو من ثمار الحراك الشعبي وهدية لأحرار الجزائر الذين ثاروا على العصابة في 22 فيفري الماضي. للجمعة ال 23 على التوالي واصل سكان ولاية ميلة، مسيراتهم السلمية الحضارية، عقب صلاة الجمعة، بمختلف الشوارع والأحياء بأغلب بلديات ودوائر ولاية ميلة، على غرار عاصمة الولاية ميلة، فرجيوة، شلغوم العيد، القرارم قوقة، تاجنانت، وادي العثمانية، وادي سقان، المشيرة، التلاغمة وغيرها وتجمع مئات المتظاهرين بساحة الشهداء عين الصياح بعاصمة الولاية لينطلقوا في مسيرة حاشدة الى مقر الولاية عبر الشارع الرئيسي لعاصمة الولاية وصولا الى مقر الولاية، حاملين الرايات الوطنية. “الجيش الشعب خاوة خاوة” وقد حملوا شعارات توحي بوعي المواطنين، حيث حرص المحتجون على مواصلة المطالبة برحيل الباءات ومواصلة مرافقة الجيش للحراك ومتابعة الفاسدين، محافظين على سلمية احتجاجات وتنظيم محكم، رغم أن عدد المتظاهرين لم يتعد المئات مرددين استجيبوا للنداء طهروا لنا البلاد من المفسدين، “الجيش الشعب خاوة خاوة”، “صامدون صامدون للمسيرات مواصلون”. أما في سكيكدة، فطالب المتظاهرون، بضرورة مواصلة الحراك الشعبي والتوسع في المطالب المشروعة حسبهم، وهذا ما لخصه الشعار الذي رفعوه “مواصلة الحراك واجب وطني..الالتفاف حول المطالب الأساسية واجب وطني”. وكانت المسيرة السلمية قد انطلقت من حي 20 أوت 1955 مرورا بالشارع الرئيسي، وصولا إلى ساحة الحرية والتي شهدت حضورا قويا للمشاركين فيه، والقادمين من مختلف بلديات الولاية ال 38، رغم حرارة الطقس، كما أصروا على التوسع في المطالب التي جاء على رأسها ضرورة تطبيق المادين 7 و8 من الدستور. وبولاية سعيدة لم تمنع درجة الحرارة المرتفعة، خروج مسيرة إلى الشارع، إذ جدد “حراكيو” سعيدة موعدهم في الجمعة 23، وحمل المشاركون في المسيرة، عديد الشعارات السياسية منها الداعية إلى رحيل كل رموز النظام السابق، قبل الحديث عن أي حوار. وقال مشاركون، إن تنظيم انتخابات رئاسية شفافة ونزيهة، لا يتأتى إلا عبر احترام مطالب الحراك، داعين إلى عدم تضييع الوقت وتقصير عمر الأزمة. القسنطينيون يستلهمون هتافاتهم من إنجازات الخضر “نريد في المشاركين في الحوار دموع عطال وبونجاح وفي الرئيس القادم وطنية وصرامة وإرادة جمال بلماضي، وفي البرلمانيين دماء بلعمري”، هذه الكلمات قرأناها في بعض لافتات المواطنين وهم يطالبون بالتغيير الشامل في كل المجالات لأجل تحقيق انتصارات أيضا في كل المجالات، كما حدث في القاهرة عندما سافر الخضر وقارعوا 23 منتخبا وعادوا باللقب القاري الذي كان جزائريا تدريبا ولعبا وبنكهة جزائرية، أكدت بأن كل من سار على الدرب وصل، وكل من تحلى بالإرادة نجح وقلب الطاولة على الفاشلين. وهو ما جعل الاستلهام من هذه التجربة الكروية الفريدة من نوعها، ضرورة قصوى حتى يسترجع الجزائري ثقته بنفسه ويضع قدمه في بداية الطريق للنجاح كما حلم أهل الحراك الشعبي منذ انطلاقته. وقد حملت مجموعة من المتظاهرين راية عملاقة مجزأة إلى العشرات من العلم الوطني وجابوا بها الشوارع الرئيسية لمدينة الجسر العتيق. أصروا على رحيل كل رموز بوتفليقة ونظامه.. البجاويون: الآن سيعرف الشعب وجهة الألف مليار يا صاحب المهمات القذرة خرج البجاويون في مسيرات حاشدة، إلى شوارع عاصمة الولاية، للتأكيد مرة أخرى على ضرورة رحيل رموز بوتفليقة وعلى رأسهم بن صالح، رئيس الدولة وكذا بدوي، الوزير الأول بالإضافة إلى حكومة هذا الأخير، حيث رفض في هذا الصدد المشاركون في مسيرة الجمعة ال 23 الذين لم تمنعهم الحرارة الشديدة من السيرة بشوارع عاصمة الحماديين، أي محاولة للالتفاف حول المطلب الرئيسي للحراك ألا وهو تغيير النظام بكل رموزه وكذا تسليم السلطة للشعب من خلال تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور. حيث طالب المشاركون في هذه المسيرة التي انطلقت كالعادة من محيط دار الثقافة “الطاوس عمروش” وصولا إلى ساحة حرية التعبير “سعيد مقبل” قبل أن يواصل المتظاهرون زحفهم باتجاه المدينة القديمة فالميناء، بضرورة محاسبة كل الذين شاركوا في تدميرا البلاد طولا وعرضا، كما طالبوا بتحديد وجهة الألف مليار التي تم صرفها خلال حكم بوتفليقة، وذلك بعدما تهرب أحمد أويحيى، “صاحب المهمات القذرة”، عن الجواب عن هذا السؤال أمام النواب، مكتفيا بالقول: “اسألوا الشعب أين ذهبت”. حيث أشار أحد المواطنين في هذا الصدد موجها كلامه إلى الوزير الأول السابق المسجون: “الآن فقط سيعرف الشعب وجهة الألف مليار دولار يا أويحيى”- مضيفا- بأن الوقت قد “كشف بأن مهماته كانت قذرة بالفعل”.. في الوقت الذي أصر فيه المواطنون على ضرورة استرجاع الأموال المنهوبة بالنظر إلى حجمها كما طالب المشاركون في مسيرة بجاية بإطلاق سراح ما أضحى يطلق عليهم بمعتقلي الرأي وذلك من دون شرط أو قيد. انقسام بخصوص هيئة الحوار.. حراك تيارت: الإصرار على المطالب والحفاظ على المكاسب تواصل الحراك الشعبي في ولاية تيارت بذات الشعارات المطالبة بالتغيير والمحافظة على اليقظة لتجنيب البلاد والشعب الحراك المضاد، وخسارة ما تحقق منذ 22 فيفري. ورغم تراجع عدد المشاركين بسبب الحرارة المرتفعة، فإن القوة الضاربة للحراك من الشباب والكهول وحتى الشيوخ الذين تعودوا على السير في شوارع المدينة، والالتقاء في ساحة الشهداء قبالة البريد المركزي والجامع العتيق، لا ينقطعون عن ترديد الشعارات بالأفواه وحملها في اللافتات التي يلوحون بها. المجموعة الصامدة من نواة الحراك تؤكد على استمرار الوقوف، حتى تحقيق المطالب المشروعة للشعب وفرض إرادته بتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور من دون تلاعب ولا التفاف عليهما. وعن رأي الشارع المحلي في تطورات المشهد السياسي، ظهر انقسام في الرأي حسب قناعات كل طرف، فبينما يرحب البعض بالحوار كحل للأزمة بتوفير شروط يرونها مهمة، يرفضه آخرون على أساس أنه مضيعة للوقت، على اعتبار أن القائمين عليه يريدون حسبهم القفز على المطالب الحقيقية للشارع، طالما أن من تتم دعوتهم لا علاقة لهم بالحراك، كما أن آخرين ثبت تورطهم في الدفاع عن العهدة الخامسة، مما يجعلهم غير مؤهلين لقيادة ما جاء بعد سقوطها. بين الرفض والتحفظ والترحيب لجنة الحوار والوساطة محل جدل بالمسيلة تباينت آراء المشاركين في الحراك الشعبي خلال الجمعة 23 بالمسيلة، بخصوص تعيين لجنة الحوار والوساطة من قبل رئيس الدولة، في إطار المساعي الحثيثة لحلحلة الأوضاع والخروج من هذه الأزمة التي تمر بها البلاد، حيث اعتبر البعض أنها خالية من أسماء ذات وزن وثقل على الساحة وأن البعض منها محسوب على النظام السياسي الذي يتطلب تغييره جذريا. كما أعاب آخرون خلوها من شخصيات شاركت في الحراك منذ بدايته، وحكم البعض الآخر على نشاطها بالفشل الذريع وأنها لن تتمكن من الوصول إلى مخرجات، قد تنهي هذا الجدل الدائر منذ انتفاضة 22 فبراير، فيما اعتبرها البعض بداية حل لأزمة قد تطول في ظل الظروف الراهنة وصعوبة إقناع الملايين من أفراد الشعب. ووفق آراء عدد من المواطنين، فان المؤشر الوحيد الذي يمكنه المساهمة في إعادة الملايين إلى المنازل ومنه الذهاب إلى انتخابات رئاسية في أقرب وقت، هو رحيل بدوي وحكومته المرفوضة شعبيا، وكذا إبعاد كل الوجوه المحسوبة على بوتفليقة ممثلة في رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وإجراء إصلاحات عميقة من خلال تشكيل لجنة أو سلطة وطنية تسهر على تنظيم ومراقبة الانتخابات تتمتع بالاستقلالية التامة وتهيئة كل الأجواء للذهاب إلى الاقتراع، مثمنين الإجراءات التي باشرتها العدالة، خاصة بعد وضع مجموعة من الوزراء رهن الحبس المؤقت والشروع في التحقيق مع وزير العدل السابق وغيرها من الأسماء الثقيلة.