يكشف الإعلامي محمد الوضّاحي، مراسل قنوات “بي إن سبورتس” في فرنسا، الذي يرتبط بعلاقة قوية مع المدرب جمال بلماضي، في هذا الحوار مع “الشروق” عن نقاط ظل كثيرة تخص الزوبعة التي تحدث حاليا حول بلماضي والمنتخب الوطني بعد التتويج الإفريقي، فضلا عن رأيه في مواضيع كثيرة تخص المنظومة الكروية الجزائرية: أحدثت تصريحاتك خلال “الكان” حول من جلب بلماضي إلى المنتخب ضجة كبيرة، هل لك أن تفسّر ذلك خاصة وأنك ذكرت بأنك على علاقة وثيقة معه؟ ما قلته في ذلك البرنامج التلفزيوني، جاء في سياق حديث بعض الأشخاص عمّن كان وراء قدوم بلماضي لتدريب المنتخب، ووقتها كنا في الدور ربع النهائي فقط، لقد قلت بأن ما تحقق حينها على مستوى النتائج وراءه بلماضي، الذي استطاع أن يفهم اللاعبين وأن يعيد لهم الروح و”الغرينتا” بتصميمه وروحه القتالية، وكل اللاعبين حتى من لم يشارك في المباريات انخرطوا في الصف، أنا أؤكد لكم بأنه لا أحد جلب بلماضي إلى المنتخب، وإنما هو من فرض نفسه كخيار، يمكنك أن تقول مثلا بأنك أنت من جلبته لو أنك وضعته على رأس قائمة اهتماماتك، عموما هذا الأمر لا يهمه كثيرا وسبق وأن علّق عليه، لكنني ضد ما يقال بشأن من جلبه، الاعتراف بالخطأ فضيلة والتمادي فيه رذيلة. سأعطيك مثالا، رئيس الاتحاد الفرنسي لما تعاقد مع ديديي ديشان طالته الانتقادات من كل جانب بسبب أداء المنتخب الفرنسي ورتابته وأسلوب لعبه الممل، لكن الرئيس دافع عنه وعن خياره وراهن عليه حتى تتويج فرنسا بالمونديال. نحن بالمقابل، أتينا بمدرب نكرة وبقي فترة قصيرة قبل أن يغادر وكلفنا المال والوقت، وحتى تشويه صورة الاتحادية بعد أن رفع ضدنا قضية، ثم تقوم بجلب مدرب آخر عليه الكثير من التحفظات ويتسبب في جلب السخرية والتهكم، وتحول إلى مسخرة، وبعدها تصرح قائلا بأنك ستتعاقد مع مدرب مونديالي وعالمي، ثم تقول بأنك أنت من جلبت جمال بلماضي!! كان لا يجب القول بأن بلماضي هو الخيار الأول، لما كان جمال في قطر كان مستعدا للمجيء والتنازل عن كل الامتيازات، وإقناع مسؤوليه بتركه يرحل، كان مستعدا كي يضحي بعائلته ويفرّط فيها من أجل الجزائر، هو لا يبحث عن الراتب، ولم يتكلم عنه أبدا. وما تعليقك على الأزمة الحاصلة حاليا حول بلماضي؟ لا أعتقد أن ما يحدث الآن يمكن وصفه بالأزمة، هو في رأيي زوبعة تلت تتويج المنتخب الوطني باللقب الإفريقي، وذلك لعدة أسباب وخلفيات يطول الحديث عنها وعن خلفياتها، والأشخاص المعنيين بها، لكن ما يحز في النفس أن الجزائر هي اليوم بطلة إفريقيا، وعوض أن نستثمر في هذا الإنجاز، دخلنا في صراعات لأجل مصالح شخصية تخص أطرافا معينة، هذه الزوبعة بدأت في مصر وانتقلت إلى الجزائر، حتى أن البعض قام بربط مصير المدرب جمال بلماضي بمصير رئيس الاتحاد. الجميع يعرف صراحة بلماضي، عندما يريد أي شيء فإنه يعبّر عن ذلك بمنتهى الصراحة، في رأيي ما يقال هنا وهناك مبني على إشاعات، قد يكون الأمر صحيحا ولكن حتى الآن، فإن الحديث عن رحيله للسبب المذكور لا يعدو سوى أن يكون مجرد إشاعات. لكن تصريحات محرز الأخيرة أشارت إلى غموض بشأن مستقبل بلماضي.. لم ألحظ في تصريحات رياض محرز أي شيء واضح وملموس يمكن أن نبني عليه كي نتحدث عن مستقبل بلماضي مع المنتخب، لقد كان هناك تلميح وهذا التلميح يعني إمكانية حدوث شيء وكذلك عدم إمكانية حدوثه، في رأيي السؤال الذي طرح على محرز مبني على ذات الاحتمال الذي كانت تروّج له بعض وسائل الإعلام وبعض الأطراف المحسوبة على مجموعة أو حلف معيّن، حيث يقول هؤلاء بأن بلماضي سيستقيل في حال انسحب رئيس الفاف من منصبه، ولذلك أعتقد بأن محرز أجاب على السؤال المتعلق ببلماضي بتلك الطريقة ولا أظن بأنه على دراية كاملة بتفاصيل ما يحدث. بلماضي لم يتحدث في الأمر أبدا ولم يروّج لأي شيء ولا أحد تواصل معه، على الجميع أن يعلم بأن بلماضي ليس مرتبطا بأي مجموعة ضغط سواء على مستوى الفاف أو الأندية هو بعيد جدا عن كل ذلك، هو رجل مستقل جاء لخدمة المنتخب ولرفع التحدي، يريد أن يثبت بأنه الشخص القادر على إعادة الروح للمنتخب، والدخول في معارك وهمية ومتاهات وصراعات لا يهمه أبدا، سواء عندما كان لاعبا أو حتى وهو اليوم مدرب، مواقفه معروفة في كل مكان اشتغل فيه، لديه برنامج عمل وفلسفة ومشاريع يسعى لتجسيدها، وعندما يصل لطريق مسدود فإنه يعلن الانسحاب في هدوء وبكل بشفافية. هناك تسريبات تقول بأنه وبعد النهائي مباشرة أشعر رئيس الفاف بعدم استمراره في ظل الظروف المحيطة بالمنتخب.. ما تعليقك على ذلك؟ هذا الكلام يناقض بالتأكيد كل ما يشاع حول ربط مستقبل بلماضي ببقاء زطشي أو رحيله، وأعتقد بأن هذا الجانب حق مشروع لمدرب حقق مثل هذا الإنجاز، هو يريد أن يستمر ويشتغل في محيط ثقة ومع رجال أوفياء يثق فيهم، لأن الضغط والاهتمام والأضواء سيزيدون على المنتخب، ومن الأفضل أن يكون لديك محيط تثق فيه، ففي حال غادر بلماضي لا يمكن ربط مستقبله بشخص، هو لم يأت لا من أجل زطشي ولا من أجل فلان أو علاّن، هو جاء من أجل الراية الوطنية والمنتخب، لماذا يفرّط في الامتيازات التي كانت لديه؟، العروض كانت تتهاطل عليه، لكنه رجل ملتزم ويريد تجسيد مشروع، في قطر بدأ مشواره من الصفر ولكن أسلوبه وفلسفته سارا بشكل جيد سواء مع لخويا أو الدحيل أو المنتخب القطري، وعندما تأكد بأن مشروعه لا يمكن أن يستمر توقف وانسحب، بلماضي ليس “خبزيست”، هو لم يختر تدريب المنتخب الوطني لأجل المال، ولا المنصب أو التعويضات التي سيحصل عليها لقد جاء رافعا التحدي، وتحقيق النتائج التي كان يريدها وتطبيق مشروعه، لأنه كان واثقا من النجاح بنفس الفريق ونفس اللاعبين ونفس الأسلحة، التي سقط بها كثيرون، بلماضي ابن نفس البيئة التي نشأ فيها أغلب اللاعبين، هو يعرف كيف يشجعهم ويحفزهم هو بمثابة الأخ الأكبر لديهم، وهذا الأمر يمثّل مرجعية لهؤلاء اللاعبين”. هل تعتقد بأن الفاف ستوفّر لبلماضي المنتخب الملائم، وهل تظن بأنه سيستمر أو يرحل؟ بلماضي مكسب للمنتخب والكرة الجزائرية، وإذا كانت الأخبار التي تتحدث عن اشتراطه العمل في محيط جديد ونقيّ، صحيحة، فإن ذلك في رأيي ليس مطلبا تعجيزيا، هو يريد فقط العمل بعيدا عن المشاكل وصراع المصالح، لأن المنتخب هو واجهة الكرة الجزائرية، التي تئن في محيط متعفن، هناك تخبط في كل شيء، في منافستي البطولة والكأس على مستوى الكرة الهاوية، قطاع التحكيم، الكل يصارع، والمنتخب هو الواجهة فقط، وإذا أردنا المحافظة على المنتخب يجب أن نحافظ على هذا الرجل ليكون بمثابة النقطة المضيئة في هذا المشهد الأسود، يجب أن نستثمر في ذلك كي نطوّر هذه المنظومة، بفضل خبرته وتحمّسه ونخطو خطوة للأمام، يجب أن نستغل هذا الوضع كي نتقدم خطوات بناء على ما حققه الرجل. ألا تعتقد بأن هناك من يريد استغلال الوضع الحالي لأجل ممارسة الضغط وتحقيق مصالح؟ هذه هي الكارثة، نحن بدلا من أن نستثمر النجاح لأجل البناء، أصبحنا نستغله لتحقيق مصالح شخصية وأقحمنا جمال في الموضوع، لا يجب ربط مستقبل بلماضي بمصير أي شخص كان. هل تعتقد بأنه من الطبيعي أن تكون الإنجازات المحققة في كل مرة الشجرة التي تغطي الغابة؟ “الفاف” مهمتها ليست المنتخب فقط، هذا جزء فقط من المنظومة الكروية، نحن نملك للأسف بطولة متعفنة لا نعرف بدايتها ولا نهايتها، هناك حالات كثيرة من الفساد، تصريحات نارية من كل جانب بعيدا عن أخلاقيات الرياضة ومعانيها السامية، العلاقة بين “الفاف” والرابطة علاقة متداخلة غير مفهومة إطلاقا، نحن أبطال إفريقيا ولا نملك منتخبات شبانية، هناك تخبط كبير، ونحن دائما نسقط في نفس الأخطاء ولا نتعلم منها، يجب أن يعمل الجميع للقضاء على الفساد والآفات التي تنهش الكرة الجزائرية على غرار المخدرات والمنشطات، يجب التصدي للدخلاء الذين غزوا الميدان. ما تعليقك عن الزوبعة التي حدثت حول الأطراف التي يعود لها الفضل في تحقيق اللقب الإفريقي؟ في رأيي، لا يجب أن نشخص هذا الموضوع، لا يجب الحديث عن أشخاص بحد ذاتهم فقط، زطشي مثلا هو جزء من هذا الإنجاز وما يحسب له أنه لم يتدخل في شؤون المدرب، لا يجب أن ننقص من شخصية وقيمة أي طرف، الفضل أولا يعود للمدرب بلماضي، للاعبين والجمهور لكل أعضاء مختلف الطواقم، لكل طرف طريقته في المساهمة في هذا الإنجاز، لكن أن نحتكره لشخص واحد هذا يعتبر انتقاصا من قيمته وسطوا عليه، المتنفس الوحيد للشعب هو المنتخب، لا يجب ركوب الموجة لتحقيق مصلحة شخصية، أنا لا أتهم الاتحاد الحالي ولا أي طرف غيره، لأن كل ما نعيشه اليوم من أزمات ومشاكل هو وضع قديم ونتيجة تراكمات منذ فترة طويلة. يمكننا أن نقول كل شيء في محمد روراوة، لكن يحسب له كثيرا تدعيم المنتخب بلاعبين مميزين بفضل قانون الباهاماس، لقد تحمّل الكثير من الضغوطات وحتى الهجوم على شخصه بسبب اللاعب بناصر مثلا، والذي خطفه من المغاربة. وأما زطشي يحسب له أكاديميته، وعدم تدخله في صلاحيات المدرب، هو شخص هادئ لا يثير البلبلة والفوضى، ولكن في رأيي لا يجب احتكار الفضل في الإنجاز المحقق، لأنه جهود تراكمات.. زطشي من المفروض يكمل ما قام به روراوة لأجل مصلحة كرة القدم، لا يجب تحطيم ما بني سابقا، علينا إتمام المسيرة وتصحيح الأخطاء، وخليفة زطشي عليه أيضا أن يسير على نفس النهج حتى تستفيد الكرة، أما الانتقام فإنه سينتج كوارث، والمنتخب سيتحطم بسببها، يجب أن نضع في الحسبان بأن اللاعبين بشر ويتأثرون بهذه العوامل. ألا تظن بأن الأزمة التي تحدث حاليا حول مستقبل بلماضي راجعة مثلا لرغبة الأخير في إعادة التفاوض بشأن عقده؟ العقد بالنسبة لبلماضي ورقة فقط ترسّمه كمدرب للمنتخب، أنا أعرفه كرجل يحب البلاد، عندما نقول بأنه يريد إعادة التفاوض معناه أنه يريد المال؟ لكنني أؤكد لكم بأنه، لو تخبره الفاف مثلا بأنها لا تملك المال لدفع رواتبه، أقسم لكم بالله أنه سيبقى، جمال يريد العمل في محيط نظيف يختاره هو، لم يطلب القمر، مطلبه مشروع جدا، وليست لديه أي خلفيات. ما تعليقك حول الحديث المستمر عن مزدوجي الجنسية واللاعبين المحلّيين، حتى أن الفاف كانت تعتزم تقنين ضم اللاعبين المغتربين قبل أن تتراجع عن ذلك؟ هذا النقاش أجوف ولا معنى له وهدفه تصفية الحسابات فقط، ولكنه أريد له أن يكون لأجل أغراض معينة، كان هذا المشروع قائما ولديه رموزه ومرجعياته لكنهم لحسن الحظ لم ينجحوا في مسعاهم، لما جاء ماجر كان لديه نفس التوجه، لكن الوقت أثبت بأنه يستحيل الاستغناء عن مزدوجي الجنسية، هل هناك أي جزائري يشكك في وطنية فيغولي أو قديورة أو مبولحي أو محرز؟ هذا عيب، أنا مقيم منذ 25 سنة في فرنسا وأعرف هؤلاء اللاعبين منذ كانوا صغارا، ولاؤهم للجزائر دون مقابل، لما ترى الهبّة الجماهيرية من مختلف بقاع العالم إلى مصر لمساندة المنتخب تفهم كل شيء، هناك من لم يسبق له زيارة الجزائر، لكنهم مرتبطون بها، الجزائر بالنسبة إليهم وطن ساكن في قلوبهم. لاعبان مثل عطال وبن سبعيني لو لم يحترفا في أوروبا، لن يكونا بهذا المستوى أبدا، من المفروض أننا نملك لاعبين كثيرين من هذا النوع، لكن للأسف اللاعب المحلي راح ضحية منظومة متعفنة ومحيط وسخ، كل شيء مبني على المال والأضواء والشهرة التي تجذب الشبان للأسف، وليس كرة القدم بحد ذاتها.