أثارت قضية تدنيس قبور موتى بمقبرة بوزوران في باتنة، إستياء عميقا لدى الأوساط الشعبية والرسمية، كما لقيت تنديدا من عشرات المواطنين الذين تهاطلت مكالماتهم تعبيرا عن سخطها العارم من انتهاك حرمة موتى المسلمين بعبارات عنصرية، فيما تساءل كثيرون عن مغزى وأبعاد وأهداف هذه القضية الخطرة التي انتقلت من وراء البحار إلى الجزائر في إشارة إلى موجة تدنيس مقابر الموتى من كافة الأديان في فرنسا بعبارات نازية. في حين طالب بعضهم فتح تحقيق معمّق للكشف عن مثيري الفتنة بالنظر إلى العبارات ذات الخلفية الإيديولوجية الواضحة من الشعارات المكتوبة في إشارة إلى ما نقلته الشروق أمس الأول. وعند انتقالنا إلى عين المكان، صادفنا حارس المقبرة الذي يقيم داخلها رفقة عناصر الشرطة القضائية الذين جاؤوا لإعداد محضر معاينة تمهيدا لفتح تحقيق دقيق لكشف الجهات المجهولة التي تقف وراء هذا العمل الدنيء. حارس المقبرة، أكد لنا امتعاضه الشديد لما وقع، خاصة وأن قبور بعض أقاربه لم تسلم من العبث، فقد كتب فوق أحدها "تبّا للمسلمين الإرهابيين" مرفوقة برسم نجمة داوود الإسرائيلية تحت تلك الكلمات، في حين لم يتمالك أحد رجال الشرطة الذين جاؤوا في مهمة معاينة وتدوين تلك العبارات وإحصاء القبور المدنسة نفسه من الغضب المصحوب بالإحباط وهو يشير إلى شعار آخر كتب بلباد أسود "قلم فاتر" فوق قبر آخر، حيث يمكن جليا قراءة، "تحيا إسرائيل، الإسلام الشيطان الفعلي والأكبر" معلقا "الشيطان الأكبر هو الذي يدنس القبور ويصف الموتى بعبارات عنصرية"، ولم تتوقف تلك العبارات عند هذا الحد العقدي، بل تعدته إلى عبارات إيحائية للتنصير الذي بدأ يطل برأسه في مناطق عديدة في الجزائر، حيث شاهدنا قبرا آخر كتبت عليه عبارة "اليسوع ..عيسى" هو السعادة" وكل العبارات المدنسة للقبور كتبت بلغة فرنسية راقية وبخط جميل وبلا أخطاء، ما يؤكد أن الفاعل يملك حظا من الثقافة والعلم، وليس معتوها أو مخمورا كما حاولت أطراف عديدة أن تقنعنا بذلك. وقد استهدفت تلك العبارات سبعة قبور أو أزيد في انتظار الجديد في مقبرة واسعة تتربع على حوالي 80 هكتارا بالتقريب وتستقبل سنويا مابين 2400 إلى 2600 ميت، ولا تتوفر سوى على حارسين يوميا أحدهما مكلف باستلام رخص الموتى، ما يجعل أمر مراقبة وحراسة مدينة الموتى أمرا مستعصيا للغاية، ذاك ما أفهمنا إياه أحد الحراس بقوله: "الحل هو مضاعفة عدد الحراس، لأن المتوفر لا يفي بالغرض، ماذا نحرس الداخلين أو الخارجين أو حتى الأزواج العشاق الذين يهربون من عيون ناس المدينة لممارسة طقوسهم داخل المقبرة". ومع أن الاعتداء الموصوف مسّ قبور عدّة عائلات عريقة ومعروفة بباتنة، فقد توزعت العبارات الموشومة في لوحات القبور بين الطابع العقائدي مثلما أسلفنا إلى الطابع السياسي، حيث كتبت على قبور أخرى جمل مفزعة مثل "تسقط الدول العربية وسخ الأرض" وعبارة "تحيا فرنسا الوطن الغالي ويسقط أفلان الصعاليك والحثالة"، فيما لم نتمكن من معاينة بعض الكتابات بعدما سارع أهالي المدنسة قبورهم إلى طلائها بالأسود وجاءت البلدية لطلاء الأسود والأبيض بما أن المقبرة من اختصاصها". بينما تتولى الشؤون الدينية مهمة دفن الموتى وقراءة الفاتحة. وليست قضية تدنيس هذه القبور هي فاتحة أولى، فقد سبقتها كما أشارت موظفة بهيئة رسمية اكتشفت أن قبر أبيها وجد مدنسا صبيحة زيارتها له الجمعة الماضية، حينما أشارت إلى سوابق في الموضوع، بعدما أكد لها الحارس أن عدّة قبور دنّست بهذه الطريقة المشينة، وأن مفتيا مشهورا بالمدينة قام بطلاء تلك العبارات. ومع أن الطابع الإنتقامي ليس مستبعدا، خاصة وأن إحدى الكتابات حملت تهديدات لعائلة بعينها، فإن الطابع العقائدي والسياسي واضح جدا بما أن عبارة "تحيا إسرائيل والإسلام هو الشيطان الفعلي" ودونت فوق قبر مجهول من طرف مجهولين في انتظار ما ستكشفه التحريات، في حين يؤكد بعض الأهالي أنهم بصدد التحضير لرفع دعوى قضائية ضد مجهول، بعد تصوير القبور المدنسة بواسطة جهاز نقال. طاهر حليسي