تتخذ المعاني أحياناً نقيضها لمرادفها اللفظي، فيصبح الموت وجه آخر للحياة، ويكون الارتحال عنواناً أجمل للبقاء، هي المعاني عندما تتجسد في شخص إنسان، هي المفاهيم عندما تتكرس في سلوك يرسخ هوية عروبية ترشح وطنية تجاوزت الوطن الأم وصولاً إلى كامل الوطن العربي، هو العطاء الذي يتدفق كنهر جار يتجاوز السدود ليكون هو الأقوى من كل عائق. هو علي فضيل – المدير العام لمجمع “الشروق” للإعلام والنشر في جمهورية الجزائر الشقيقة، رجل حمل كافة المعاني والمترادفات التي غابت عنا في تيه الفقدان والبحث عن ذاتنا القومية العروبية، فكان علماً وشاهداً على أن هناك ما يبعث على أن هذا التيه إلى زوال. ارتحل وترجل الفارس علي الفضيل عن صهوة جواده، غاب جسد الرجل الذي حمل قضاياً الأمة العربية هماً يومياً في صدره، وحلماً عنيداً يواجه التعقيد الكامن في تداخلات متشابكة تفرز قضاياً وجودية تواجه الأمة، حلم الرجل بأمة عربية موحدة من محيطها إلى خليجها، وآمن بأن القضية الفلسطينية هي الجرح الدامي الذي يوحد الكل العربي، وأن إنتزاع الحق الفلسطيني والتصدي للمشروع الصهيوني لا يأتي بالحلم لوحده، ولكنه نتاج توحد الأمة وتقديم كافة أشكال الدعم والمؤازرة بكافة أشكالها لفلسطين قضية وشعباً. علي فضيل هو حلم تماهى مع العمل ليشكلا علاقة جدلية لا مبرر لوجود أحدهما دون الآخر. علي فضيل اسم جزائري الدم، عروبي الانتماء، فلسطيني القلب والهوى. ولأن الرجال يدركون أن قضايا أوطانهم وأمتهم هي المبرر الحقيقي لوجودهم، كان علي فضيل مدركاً لرسالته الوطنية، هذا الإدراك تجسد في مواقفه تجاه قضايا بلده الجزائر، وتجاه قضايا الوطن العربي، وعلى وجه التخصيص القضية الفلسطينية، فكان داعماً لهذه القضية، وجعل القضية الفلسطينية في صدارة المشهد الإعلامي لمجمع الشروق للإعلام والنشر، فكانت قضايا الأسرى والشهداء والحصار وكل المسائل المتعلقة بالقضية الفلسطينية ذات اهتمام وطني مسئول وبإشراف شخصي من قبله، إهتمام تجسد في إفراد الملاحق اليومية والأسبوعية في صحيفة وكافة إصدارات مجمع الشروق، هذه الملاحق فضحت جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وأبرزت الصمود الفلسطيني، وأحقية الشعب الفلسطيني في أرضه وكامل ترابه الوطني. ارتحل علي فضيل بعد أن ترك نهجاً وإرثاً داعماً لفلسطين قضية وشعباً، ارتحل الفارس الذي طالما حمل فلسطين في صدره عشقاً ورواية لا تنتهي. علي فضيل إن فلسطين لا تنسى ولن تنسى من حملوها في صدورهم حلماً يقاتلون دونه، علي فضيل قد يكون رحيل الجسد نهاية عطاء، ولكن يظل عطاءك كأشجار الزيتون في جبال فلسطين، تزهر وتثمر وتقف شامخة شموخ الجبال نفسها في وجه العواصف الهوجاء، على فضيل ستظل هناك بعيداً في أعماق الوجدان الفلسطيني معلماً بارزاً من معالم العطاء العروبي الذي لا ينقطع دعماً لفلسطين وشعبها، وستظل صورتك في المشهد الأجمل من مشاهد النضال الفلسطيني. من جزائر العروبة والشهداء كان قلمك الحر وعطاءك ووطنيتك الأصيلة، ومن فلسطين العروبة والشهداء لك الحب والوفاء وذاكرة عصية على النسيان… على فضيل… سلام لروحك.