من الطبيعي أن تخطف “محاكمة القرن” الأضواء من “المناظرة التاريخية”، فما يجري من تصريحات واعترافات وشهادات، وأرقام مفزعة وحقائق صادمة، دوّخت الرأي العام، وأربكت المترشحين لكرسي الرئيس، ونقل الرعب إلى كلّ المسؤولين والوزراء والولاة والأميار ورجال الأعمال، السابقون واللاحقون، فما يجري في محكمة سيدي امحمد، قد يجري مستقبلا، لآخرين ما لم يفهموا الدرس ويتعظوا من العبرة! ولأن الأرقام خيالية وفلكية، تعرّض الشارع والمواطن المكوي إلى الذهول، وتبيّن أن الخزينة العمومية تعرّضت لأكبر عملية نصب واحتيال في تاريخها، خلال العشرين سنة الأخيرة، وللأسف، كان “حاميها حراميها”.. وزراء ورجال أعمال محظوظون ومقرّبون، اغترفوا من “مال البايلك” باسم القروض والاستثمار والتنمية في إطار تنفيذ “برنامج فخامته”! لم يفهم “الزوالي” كيف تفرض عليه حكومته أجرا وطنيا مضمونا لا يتجاوز ال 18 ألف دينار، بينما يكتنز “وزيره الأول” ما لا يقلّ عن 30 مليارا في حساب بنكي واحد؟..ولم يفهم المعذبون والمكتوون بسوء التسيير، كيف يستفيد “وليد الفلاح” من ملاليم لاسم “أونساج” بينما يقبض ابن “صاحب المعالي” الملايير في نفس الصيغة، رغم أن كلاهما يحمل بطاقة التعريف الوطنية؟ الجزائريون لم يفهموا كيف يستفيد هؤلاء المنتفعون من القروض والاستثمارات والعقارات، عن طريق “التلفون” والنفوذ واستعمال المنصب وإخضاع القانون لحاجياتهم وأحلامهم، يستفيدون من دعم الحليب والخبز، وغيرها من إعانات الدولة، بينما “تتمرمد” الأغلبية المسحوقة وتُرغم على الحياة بالبقشيش، وإذا “ماعجبهاش الحال”، فأمامها خيار “الحرقة” أو اختيار الانتحار! المحاكمة فضحت “جزائريين آخرين”، كانوا يتنعمون بأموال الفساد والإفساد المقنّن، والمحمي بحصانة المنصب والنفوذ والولاء والطاعة، وبقد مرن شاع اليأس والإحباط نتيجة ما فضحته أطوار الاستماع لكبار المتهمين، بقدر ما عاد الأمل والتفاؤل، بغد لن تتكرّر فيه مثل تلك الفضائح والمهازل والجرائم التي أفلست الدولة، ودنّست المسؤوليات، وعبثت بمصالح المواطنين، وأنهكت قدرتهم على التكيّف في مواجهة متاعب المعيشة! محاكمة هؤلاء “الرموز” هي أيضا برأي العارفين والفضوليين والحياديين، رسالة مشفّرة، لا تُقرأ إلا بجهاز المورس، لكنها مفهومة لأولي الألباب، و”الأحباب” وأصحاب “الإرهاب والكباب” ولكلّ الأحزاب، ولذلك، يستبعد المتفائلون تكرار سيناريو العشرين سنة الماضية، فالذي يحدث ل “العصابة” سيسدّ شهية كل “العصابات” التي قد يسيل لعابها مستقبلا، وتسعى إلى تجريب حظها..علّ وعسى ! مهما كانت الخلفيات والأهداف وطريقة الإخراج، لم يكن شذاذ الآفاق، يعتقدون عندما كان الملاحقون اليوم “على ديدانهم”، أن يراهم اليوم أحد وراء القضبان وفي أيديهم “الكلبشات” بعدما كانوا إلا وقت قريب الآمرين بالصرف والحرف والجرف والغرف!