يؤكد وكيل وزارة الخارجية السودانية الصديق عبد العزيز عبد الله، رفض بلاده لوجود قوات أجنبية في ليبيا، ويقول في هذا الحوار مع الشروق، على هامش مشاركته ممثلا لبلاده في اجتماع دول جوار ليبيا بالجزائر، إن زمن إدارة شؤون الشعوب بالوكالة قد ولّى. ويعرج المسؤول السوداني الرفيع، على العلاقة مع الجزائر بالتأكيد “الجزائر لم تخذلنا أبدا”، ويكشف الأسباب وراء قطع العلاقات مع إيران، ونقل جنودها للقتال في اليمن، وعما حققته التوليفة غير المسبوقة بين العسكريين والمدنيين في إدارة الحكم.
مثلت بلدك في الاجتماع رفيع المستوى الذي جمع دول جوار ليبيا بالجزائر، تم التأكيد خلاله رفض التدخلات الأجنبية، وأن الحل لن يكون إلا ليبيا ليبيا، ما هي الميكانيزمات التي سيتم إتخاذها للوصول إلى هذا المبتغى، وهل تعتقد أن طرفي الخصومة سيقبلان بما أتفق عليه في ظل غيابهما؟ علينا في الأول أن نقتنع بشيء أساسي وهو أن ما تشهده ليبيا الآن هو صراع سياسي، بين أطراف أو مكونات الشعب الليبي، ليبيا مرت بظروف وقد تكاد تكون استثنائية أكثر من 40 سنة، حُكمت برجل الكل يعرفه، وما حدث للشعب الليبي في هذه الفترة لم يسلم منه شيء حتى تفكير الناس وسلوكياتهم، وفهمهم للأشياء. فترة 42 سنة من حكم دكتاتوري، يجب أن تترك آثاره على الشعب مهما كان قويا، ما يحدث في ليبيا الآن هو نتائج سياسات لا دخل للشعب فيها، ولكنها وُجدت وامتداداتها قائمة إلى الآن، والنتائج الحاصلة اليوم لها امتداد تاريخي خلال العقود الأربعة الماضية، لا يجب أن نتوقع أن تسير الأمور في ليبيا بشكل طبيعي، بعد عقود من حكم دكتاتوري. وتبقى القناعة هي وصول الليبيين إلى تسوية الأزمة، بمساعدة الآخرين، والأقربون هم الأولى بحكم عدة معطيات، إذا نظرت بناحية موضوعية ليست هنالك جهة مؤهلة لهذا الدور أكثر من دول الجوار، لأنها الأدرى بالشأن الليبي، وهي الأكثر فهما بما يدور، وهي الأحرص على حل الأزمة، خاصة وأن ما يحدث في ليبيا ستصل امتداداته لهذه البلدان. فرضا لو استمر هذا الوضع، ونأمل أن لا يحدث هذا، سيؤدي إلى فراغ كبير في ليبيا، نعلم أن منطقة شمال إفريقيا، توجد بها شبكات متشددين قدموا من مناطق عدة من العالم، وفي حال وجود دولة مفككة ستكون هذه المنطقة المسرح الذي يحلمون به. دول الجوار حريصة على تقريب الشقة بين الأطراف الليبية، هذا واجبها تجاه ليبيا، وما تقوم به يخدم مصالحها، لأنها بذلك تحمي نفسها من امتدادات الأزمة في حال حصول انفلات أمني، كونه يفتح المجال لمن يبحث عن قاعدة لينطلق منها. ديسمبر الماضي واستنادا إلى تقرير أممي، تم تسريب معلومات تفيد بتورط السودان عبر الفريق أحمد حمدان حميدتي، بنقل ألف عسكري من قوات الدعم السريع للقتال إلى جانب خليفة حفتر، والاثنين الماضي وفي تقرير لخبراء من الأممالمتحدة يؤكد عدم وجود دليل على نقل السودان لمقاتلين إلى ليبيا،، هل تعتقد أن هنالك مسعى لتوريط السودان في الأزمة الليبية؟ ما ورد، معلومات مغلوطة في الأساس، وجب التنبيه إلى أن المعلومات تم تناولها من وكالات أنباء معروفة بارتباطاتها، إضافة إلى ذلك هذه وكالات لا تتحرى الدقة، وتبحث عن الإثارة وتخدم أجندات محددة، فلو تعاملت بمنطق العقل، لطرحت سؤال ما مصلحة السودان في إذكاء الصراع في ليبيا؟ ثانيا السودان يعيش ثورة قامت وابتلعت نظام حكم البلاد لثلاثين سنة، ثورة لها برنامج ومشاكل محددة، أولها تحقيق الأمن والاستقرار، فكيف لثورة هذا شعارها أن ترسل قوات إلى دولة جارة. ومن فكروا في اختلاق هذا الخبر لم يكن لهم جانب من العقل، ونحن نعيش عصر الرقمية وتوثيق الأحداث، الآن لا تستطيع إخفاء حبة خردل والأقمار الصناعية تملأ الدنيا، فكيف يمكن نقل ألف جندي دون أن ينتبه لهم أحد؟ أين هي الأقمار الصناعية التي تصور الناس في غرف نومهم، وتفشل في رصد ألف جندي سوداني بسلاحهم وعدتهم، لماذا لم يتم تصويرهم وعرض المشاهد؟ هنالك سعي للإضرار بصورة السودان. وماذا عن المقاتلين القادمين من دارفور؟ أسهل شيء أنك تدعي خبرا، لماذا يغادرون دارفور ويذهبون للقتال في ليبيا؟ هذا هو السؤال الواجب طرحه، المؤسف أن هنالك سوء فهم خطير للغاية ويتخيلون أن أي شخص غير ليبي هو سوداني، والمنطقة أيام القذافي عامرة بالأفارقة من كل الدول، لكن يعتقدون أن كل شخص غير ليبي حمل السلاح هو سوداني بالضرورة. كيف تنظرون إلى التدخل التركي الإماراتي، والتحرك الأوروبي الروسي الأمريكي في ليبيا؟ كدولة جوار، مبدؤنا ضمن منظومة شاملة، نرفض التدخل الأجنبي في ليبيا، هذا المبدأ ثابت ليس في ليبيا فقط، لا نرحب بالتدخل الأجنبي في كل الدول، أي نوع من التدخل في دولة ذات سيادة مرفوض، الشعوب خُلقت لتدير شؤونها، وزمن الاستعمار ولّى، وإدارة شؤون الشعوب بالوكالة ولّى كذلك، والشعوب الآن راشدة وقادرة على إدارة شؤونها. طالبتكم القاهرة بعدم التطرق لقضية جزيرتي حلايب وشلاتين، بدعوى أن البلدين يمران بأزمات أخرى، وأنتم جددتم رفع الشكوى أمام مجلس الأمن، ورئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان قال إنه يأمل في الوصول لحل لهذا الملف، كيف يمكن الوصول إلى تسوية تنهي خلافا عمَر طويلا؟ النزعات الحدودية بين الدول ليست قصرا على السودان ومصر، عشرات البلدان بينهم نزاعات حدودية، وهنالك نزاع مشهور بين بلدين أوروبيين استمر التفاوض على الأرض ل57 سنة، وإذا جئنا للمنطقة، مصر كم فاوضت إسرائيل على منطقة طابة؟ وبعد سنوات طويلة من التحكيم حكم لصالح مصر، السودان رفعت شكوى للمطالبة بأحقيتها في الجزيرتين من 1958، وتجديد الشكوى في الأممالمتحدة، مسألة إجرائية، لأنه قبل 3 سنوات صدر مرسوم في الأممالمتحدة بأن أي شكوى مرفوعة إذا لم تُجدد بعد مدة تسقط تلقائيا. والخلاف بين البلدين على المنطقة قائم على أساس أنه أرض سودانية في نظرنا، ونحن ندعو للتحكيم، إما أن نجلس كدولتين جارتين، وكل واحد يبرز ملفاته، فهل هذه قضية صعبة؟ الإشكالية في القانون الدولي، وقوانين الأممالمتحدة فهي لا تستطيع أن تفرض على الدول أن تجلس للتفاوض. وماذا عن سد النهضة، وما هي آليات التنسيق مع الدول الأخرى التي قد تتضرر بعد تشغيله؟ أود التوضيح، أن التفاوض حول سد النهضة يتم على 3 مستويات، الرؤساء، وزراء الخارجية، الخبراء، البنك الدولي والإدارة الأمريكية دخلا على الخط كمسهلين. العارف بتاريخ المنطقة يعي أنها لم تتعرض لجفاف منذ80 سنة، هذا الأمر ممكن حصوله اليوم نتيجة للتغيرات المناخية، ووجب التنبيه أن نهر النيل ليس الوحيد الذي تشترك فيه الدول، هنالك الكثير من الأنهار التي تشابه وضع النيل وتشترك فيه عديد الدول، والأهم الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف. نهر النيل ليس استثناء، على دول الحوض أن تجلس وأن يستمر التفاوض للوصول إلى حلول ترضي الأطراف جميعا، الأمر الأساسي الذي يجب أن يُفهم، أن سد النهضة هو سد لتوليد الطاقة، حيث تقوم بتخزين المياه لتطلق تدريجيا لتوليد الطاقة، والماء لا يحجز ليحجز، وهنالك اتفاقيات تراعي هذه المسألة، والمطلوب تطوير هذه الاتفاقيات، لتضع في الحسبان ما يمكن أن يحصل مستقبلا، مع التأكيد أن جميع الإشكالات تحل بالحوار. إلى أي مدى انعكست التطورات والتحولات في الداخل السوداني، فيما يخص الحصار والبطالة والوضع الأمني؟ الإنسان السوداني قدم نموذجا قلّ وجود مثيل له في دول العالم الثالث، وهو توافق بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني على إدارة الشأن العام، تم التوافق بين الطرفين على إدارة الدولة للوصول إلى حكم مدني ودولة ديمقراطية، وبعد انتهاء الفترة الانتقالية ومدتها 3 سنوات، تجرى الانتخابات، والناخب يقرر من يحكم البلاد. يفترض أن ينظر المجتمع الدولي لما يجري على أنه نموذج يمكن أن يقدم حلولا لكثير من الدول لها مشاكل في الحكم. التجربة السودانية في خصوصيتها أن المؤسسة العسكرية والمدنية اجتمعتا وقررتا أن يخرجا السودان من أزمته، والوصول إلى حكومة ديمقراطية منتخبة، وهذا لم يحدث من قبل. المطلوب من العالم دعم هذه التجربة، الدولة بعد 30 سنة من حكم أوتوقراطي، وحتى تستطيع الوصول إلى بر السلام نحتاج إلى مساعدة الغير، نحن ورثنا وضعا اقتصاديا صعبا، وعندما نتكلم عن المساعدات الدولية لا نقصد تقديم مساعدات على شكل أكل وشراب للمحتاجين، ما نريده إقامة استثمارات تحقق قيمة مضافة. في الجانب الأمني، توتر بالغ الخطورة حصل قبل أيام، حيث شهدت البلاد مواجهة ببين مُسرحين من جهاز المخابرات، والقوات الأمنية، وأتُهم قائد جهاز المخابرات السابق صلاح قوش، هل ما حصل هو دليل على دور لا يزال يلعبه النظام السابق لإبقاء حالة التوتر في البلاد؟ بعد قيام الثورة كانت هنالك مطالبات بضرورة إعادة هيكلة جهاز الأمن، لأنه كان جهازا لمهمة لا تتوافق مع المهام الأصلية له، وأصبح هيكلا لخدمة نظام وتضخم، وأصبح جيشا بحاله، واليوم نحن في عهد جديد، يتطلب الأمر أن يتحول إلى جهاز معلومات. وبالعودة لما حصل، في جهاز المخابرات هنالك تشكيل أمني هو “جهاز العمليات” لها تسليح خاص، خُير منتسبوها بين التحول إلى تشكيلات أخرى أو التسريح، على أن يقبضوا حقوق ما بعد الخدمة، واعتبروا المخصصات المالية التي سيستفيدون منها قليلة، لكن وسائل إعلام أعطت الأحداث حجما أكبر من حقيقتها، لدرجة الحديث عن محاولة انقلاب. أين وصلت وضعية القوة العسكرية السودانية في اليمن، وهل تعتقد أنها حققت أهدافها، وإالى أي مدى انعكس وجودكم في اليمن على علاقاتكم مع الإمارات والسعودية؟ هذه القوات ذهبت في إطار ترتيبات عربية بين البلدان الثلاثة، وعندما تنتهي المهمة وتنتهي دواعي وجودها، تعود القوات العسكرية إلى أرض الوطن، ليست المرة الأولى التي يحصل فيها هذا الشيء. وهل انتهت أسباب بقاء القوات السودانية في اليمن؟ أساسا الأزمة اليمنية إلى الحل، والذي حصل في اليمن أن مجموعة مسلحة مدعومة من نظام معين، هدد مصالح الدول، حتى أن مصالحنا كانت مهددة، كون الجهة المسلحة تهدد أمن البحر الأحمر بإغلاق باب المندب، الذي هو بالنسبة لنا شريان الحياة والبحيرة الوحيدة التي نطل بها على العالم، عندما ندافع فإننا ندافع عن أنفسنا، لو أغلق الحوثيون باب المندب سيختنق السودان، لا إطلالة دولية لنا غير البحر الأحمر. ومتى تنفرج علاقاتكم مع إيران الحليف القوي للحوثيين؟ قطعنا علاقاتنا مع إيران، لأنها سببت لنا مشاكل في الداخل، شعرنا أنه فيه برنامجا يستهدفنا لا نقبله، برنامج يعمل على تشييع مواطنينا، اكتشفنا عشرات الحسينيات، علاقتنا تدهورت وقمنا بقطع العلاقات. ولا أذيع سرا أنه منذ سنة 2000 صارت إيران تشكل خطرا علينا، وهي أينما حلت تهدد الدول، وتقوم بتشييع المواطنين وفتح الحسينيات، وهذا يحدث صراعا دينيا. وماذا عن التسريبات التي تحدث عن وجود نفايات نووية إيرانية مدفونة في السودان؟ من المؤسف جدا نزوع وسائل الإعلام لأخبار الإثارة، كيف تصل هذه النفايات من إيران إلى السودان؟ هذه كلها أكاذيب، هدفها خلق البلبلة والإثارة لا غير، إيران لها مساحات أكبر من السودان عشرات المرات، وعندنا وكالة للطاقة الذرية، ونحن نعي ونعرف حجم الخطر الذي تشكله نفايات نووية على أرضنا وبيئتنا، فكيف نقبل بتخزينها. الإدارة الأمريكية تعتزم إدراج السودان ضمن قوائم دول الحظر من السفر، كما لا زلتم في قائمة الدول الراعية للإرهاب، متى يتم إنهاء هذه الإجراءات في حقكم؟ نحن مدرجون في قائمة الدول الراعية للإرهاب التي وضعتها الإدارة الأمريكية، رغم أنها مقتنعة تماما استنادا إلى تقارير الاستخبارات “سي أي ايه” أن لا صلة لنا بالإرهاب، لكن الإشكال في القانون الأمريكي، عندما يصدر قرار من الإدارة الأمريكية ويصادق عليه الكونغرس، تكون إجراءات إلغائه طويلة جدا. والمسألة الأخرى، في السودان حكومة تسير بالبلد على الطريق الصحيح، هنالك تحول كبير جدا والظروف التي أدت إلى وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب انتفت تماما، كما أن هنالك دعما من دول في هذا المسعى، وهو ما تجلى في الزيارات التي قادت المبعوث الأمريكي للسودان، حيث طالبت هذه الدول من واشنطن بضرورة رفعنا من القائمة، لأنها قوانين شُرعت ضد نظام عمر البشير. وأنت في الجزائر، كيف تقيم علاقتكم معها، وفي حديثكم، دعوة لإقامة استثمارات في السودان، ما هي الامتيازات التي تمنحونها لرجال الأعمال الجزائريين؟ بيننا وبين الجزائر علاقة متميزة وثابتة لم تتعرض إلى أية هزة، ويكاد يكون هنالك تطابق في المزاج العام، وكدولة نلجأ للجزائر في لحظات معنية ولم تخذلنا في أي وقت من الأوقات. وحتى مشاريعنا الضخمة كالسدود كانت الجزائر جزء منها، السودان الآن دولة منفتحة على الاستثمارات الأجنبية، والجزائر لها الإمكانيات، ونعمل على أن يكون هنالك استثمار جزائري في السودان، ونسعى لإقامة معرض للمنتجات الجزائرية في السودان، نبدأ في العلاقات التجارية، ونحن نستورد غالبية احتياجاتنا، لماذا لا نستوردها من الجزائر؟ كما أن قانون الاستثمار لدينا مرن ومساعد للغاية.