قررت الحكومة إطلاق جولة جديدة من المشاورات حول مشروع تعديل الدستور، أملا في الوصول إلى توافق سياسي بشأن هذا المشروع، الذي نال مصادقة المجلس الشعبي الوطني، في أعقاب نقاش محدود اقتصر على لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات. وكشف وزير الاتصال، عمار بلحيمر عن فتح نقاش "واسع" حول مشروع تعديل الدستور ابتداء من الأربعاء المقبل، تشمل الأحزاب والشخصيات والجمعيات، وهي الجولة التي تعقب مرور المشروع على غرفتي البرلمان، وقبل عرضه على الجزائريين للاستفتاء. وقال الوزير: "سيتم فتح نقاش واسع مع المجتمع المدني والجمعيات والشخصيات والخبراء والأحزاب المعتمدة وكافة أطياف الشعب الجزائري من أجل إشراكهم في العملية الاستفتائية"، وأوضح بلحيمر أنه سيتم تجنيد كل وسائل الإعلام من مكتوبة ومسموعة ومرئية من أجل إنجاح هذه العملية. وأبانت حيثيات المصادقة على المشروع على مستوى الغرفة السفلى للبرلمان، مقاطعة الأحزاب السياسية التي كانت محسوبة على المعارضة، مثل حركة مجتمع السلم، وتحالف النهضة والعدالة، بالإضافة إلى حزبي جبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية. فيما حضرت جلسة التصويت ودعمت المشروع الدستوري، الأحزاب التي كانت تشكل الغطاء السياسي للسلطة في عهد الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، ممثلة في أحزاب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر "تاج"، والحركة الشعبية، والأحزاب الأربعة التي يوجد قادتهم خلف جدران السجن بسبب تهم تتعلق بالفساد، بالإضافة على بعض الأحزاب الصغيرة والمستقلين. ومن سلبيات المشهد الذي ارتسم الخميس المنصرم بالغرفة السفلى للبرلمان، إعطاء الانطباع بأن شيئا لم يتبدل رغم الأشواط التي قطعت على طريق التغيير، وهذا لا يخدم مصلحة لا السلطة ولا المعارضة. وإن كان المشروع قد تم تمريره وفق منطق الأغلبية طبقا لما يقتضيه القانون، إلا أن "التوافق السياسي" الذي لطالما تحدث عنه الرئيس عبد المجيد تبون، بشأن الدستور قيد التعديل، لم يتحقق، فقد بينت فصول الجلسة أن الانقسام السياسي لا يزال قائما، ولم يتوقف عند التصويت بلا، بل تعداه إلى المقاطعة، ليحدث بذلك لم يكن يتمناه أحد، لأن المسألة لا تتعلق بالتصويت على قانون عادي، بل بالقانون الأسمى للدولة. وتعتقد السلطة أن مرور مشروع الدستور على غرفتي البرلمان دون توافق بين الفرقاء السياسيين، لا يعني بالضرورة أن القطار قد فات وأن الأمور قد حسمت، فلا يزال هناك ما يقارب الشهرين قبل عرض المشروع على محطته النهائية وهي الاستفتاء الشعبي، المرتقب في الفاتح من نوفمبر المقبل، ما يعني وجود فسحة للأمل في تجسيد دستور "توافقي". ومن هذه الزاوية، تحاول السلطات مجددا البحث عن فضاءات أخرى للتلاقي، من خلال دعوة وزير الاتصال إلى فتح "نقاش موسع" حول قضية الدستور، بداية من الأربعاء المقبل، لعل الجميع يمكن أن يصل إلى أرضية وفاق تؤمن تجسيد الوعد الذي أطلقه الرئيس تبون. ويرى مختصون أن رئيس الجمهورية وانطلاقا من صلاحياته الدستورية، يمكنه إدخال التعديلات التي رفضت للأحزاب الغاضبة وكانت سببا في مقاطعتها، بما يساعد على تحقيق التوافق السياسي الغائب، ولا شك أن النقاش المقبل يشكل فرصة..