يتحدث الشيخ كمال ڤمازي في هذه الحلقة الأخيرة من الحوار عن تفاعلات سنوات التسعينيات والذي جعلهم يتخذون مواقف يرونها تخدم المصالحة حتى وإن لم يساندوا بوتفليقة صراحة. كما يتحدث ڤمازي عن الشيخ على بن حاج وطموحه في الترشح للرئاسة. أريد معرفة إذا ما تلقيت متاعب وتهديدات ارهابية في تلك الفترة؟ كما ذكرت آنفا فإنّه ما من مسعى للتهدئة إلا وكنّا نسعى إليه، وظهر ذلك حتّى في بياناتنا التي كنّا ننشرها في ما بعد، وفي الغالب لا تنشرها الصحافة في الجزائر، عبّرنا فيها عن استعدادنا لأي حل سياسي، لكن بعد كل تلك الخطوّات والمساعي غيّبنا من طرف السلطة وضرب علينا حصار، سواء إعلاميا أو دعويا أو حتى المشاركة في أي عمل تبعا لتغييب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهدّدنا حتى من خلال البيانات التي كنّا نقرؤها بالقتل من طرف بعض الجماعات المسلّحة، فمثلا أنا ورد اسمي في بيان نشرته وسائل الإعلام عام 96 وسمعت بعد ذلك حتّى في تصريح أحد قيادات الجماعة أنّها شرعت في تنفيذه. كُلّف أحدهم بملاحقتك؟ نعم وقال بأنّه تراجع في ما بعد عن هذا العمل، وحتّى حشّاني رحمه الله تعرّض للتهديد وكان في خطر وكانت سيّارات الشرطة تتبعه حيث ما حلّ وارتحل، وأذكر مرة أنّه قام بتصريح لجريدة ناطقة بالفرنسية فاستدعي من طرف القضاء وألزم بعدم مغادرة الجزائر العاصمة ووضع تحت الرقابة القضائية، كما كتب رسالة إلى وزارة الداخلية شهر قبل مقتله وقال بأنّ رجلا كان يتردد على الحي ويسأل عنه وعنّف بعض الشباب في الحي، ولمّا كان مارا بباب الوادي رآه يخرج من مركز الشرطة فسجّل هذه الملاحظة وقام بمراسلة وزارة الداخلية حينها وكان متوجّسا من هذا الأمر حتّى قُتل رحمه الله في حي باب الوادي. بالنسبة لحيثيّات مقتله والشاب المتّهم بذلك، طويَ الملف ولم تظهر الحقيقة؟ عادة في الاغتيالات السياسية يطرح السؤال: من المستفيد، فمن المستفيد من مقتل حشّاني رحمه الله؟ إذا كنت تشير الى السلطة.. فهي تضررت من مقتله؟ يوم مقتله كان هناك بيان لرئاسة الجمهورية يندد باغتياله ونددت به أغلب دول العالم وكذلك الطبقة السياسية وحضر جنازته بعض المسؤولين والشخصيات الوطنية وجموع المواطنين وغطتها التلفزة الجزائرية، فكان اغتيالا سياسيا، وحتى علي يحيى عبد النور قال حينها نحن نتّهم السلطة بأنّها المتسببة في مقتله، وذلك في بيت عبد القادر حشّاني رحمه الله ونشرت في الإعلام، فالأخ عبد القادر رحمه الله ذهب ضحية مواقفه الجريئة المخلصة للدين وللوطن، وهي المواقف التي لم تكن تعجب من لا يريد الخير للبلاد والهناء والاستقرار للشعب الجزائري الصابر والصامد. مقتل حشاني رحمه الله كان ستة أشهر قبل الشروع في المصالحة الوطنية التي كانت من 5 جويلية 99 على ما أذكر إلى نهاية تطبيقه في 13 جانفي 2000، وكان حشّاني رحمه الله يرى أنّ هذا التوجّه هو حل قضائي وأمني لقضية سياسية فهو حل ناقض، وكان يردد هذا الموقف وهو امر معروف منه ومن شيوخ الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذين كانوا معه. بعد مجيء بوتفليقة جاءت المصالحة الوطنية واستطاع أن يضع حدا لحمام الدم؟ بوتفليقة بعد انتخابه في سبتمبر أجري الاستفاء حول الوئام المدني. لم نر منكم تفاعلا مع مشروعه؟ كلمة المصالحة كلمة جميلة ولا يوجد من يمكن أن يكون ضدّها ونحن سبقنا الى المطالبة بها رفقة الخيرين منذ اندلاع الأحداث ويوم أن كانت الدعوة اليها تهمة ولا يقال فينا أنّا لم نتفاعل، وقد رأينا أنّها خطوة ولكنّها ناقصة ويمكن الوصول إلى حل سياسي خصوصا وأنّ المشكلة في الجزائر هي مشكلة سياسية بالدرجة الأولى. ولكن الأهم من السياسة الدّماء؟ لا هذا ليس صحيحا، حقن دماء الشعب المسلم مقدم على كل شيء والشعب الجزائري بعد أن افتك استقلاله بفضل الله ثم بتضحيات أبنائه يستحق أفضل من هذا بكثير، فليس الأمر متعلّقا بحقّنا، ولكننّا طالبنا بالحريّات السياسية والإعلامية والدعوية بصفة عامّة، أي لم نبق في حالة الطوارئ والتضييق وبإمكاننا أن نكون بحال أفضل من هذا لو توفّرت الإرادة السياسية وأن الحل الأمني والإداري والقضائي والاجتماعي يخفف الأزمة لكنه تهربٌ وتأجيل للحل الحقيقي. بوتفليقة كانت له الشجاعة واختار الهدنة وأنزل الآلاف من الجبال وأطلق آلاف المساجين وتوقّف العنف بنسبة 99 بالمائة تقريبا؟ كانت فيه خطوات سابقة، والشيء الذي قلناه وكان موجودا حتّى في رسالة الشيخ علي بن حاج التي كتبها لبوتفليقة في 2002، أي قبل خروجه بأنّ بوتفليقة ليس طرفا في الأزمة مثل زروال، والإنسان الذي لم يكن طرفا في الأزمة مؤهل أكثر من غيره لحلّها، وهذه من الخصائص التي كان يتميّز بها بوتفليقة وأكيد أننّا استبشرنا بذلك المسار والمسعى، ومع ذلك فالخطوة كانت ناقصة ولو وجدت ارادة سياسية لكان بإمكاننا الذهاب إلى أبعد من ذلك، وحتّى هو في أحد خطاباته قال هذا ما سمحت به التوازنات السياسية فتفهم أن هناك في السلطة من لا يريد للشعب الجزائري أن يصل الى أبعد وأفضل من ذلك. لم تتفاعلوا مع المصالحة ولا الوئام المدني وبدوتم في نظر الكثيرين غير مكترثين للأزمة الأمنية؟ لاشك كانت لدينا تحفّظات، فمطالبنا كانت بحل شامل وهو ما كنّا نسعى إليه في ذلك الوقت، لكن مع ذلك لم نكن ضد ذلك المسعى بل طالبنا بالأفضل والأكمل، وبوتفليقة قال هذا ما استطعت الوصول إليه، وكان يردد كثيرا الحديث عن عفو شامل بأن يمسح كل جذور الأزمة ويعيد الانطلاقة من جديد، وهذا بشّر به في خطبه خاصة في العهدة الأولى، وأذكر أحد المرّات قبل العهدة الثانية في 2004 كنّت مع الشيخ علي جدّي والتقينا ببلخادم وكان من بين كلام عبد العزيز بلخادم أنّ العهدة الأولى مضت ومن الأفضل أن تنطلق العهدة الثانية بعفو شامل قد يكون فيه خظوة متقدّمة، فتصوّر الحل مع غيرنا من الطبقة السياسية كان يمكن أن يكون أفضل مما رأينا، لكن من خلال مسايرتنا للأحداث منذ نشأة الجبهة الإسلامية للإنقاذ فيه أطراف لا تريد أن تذهب بعيدا في حل الأزمة. حتى داخل الجبهة انقسمتم وهناك من ساند بوتفليقة في البداية مثل رابح كبير؟ هذا ما نراه في الإعلام، لكن الذي أقوله أنّ قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وخاصّة الشيوخ الذين كانوا في السجن كانوا على توافق كبير فيما بينهم والحمد لله على هذا، أمّا بقية إطارات الجبهة الإسلامية للإنقاذ فالانقطاع وعدم التواصل هو الذي أدى إلى هذه النتيجة وليس هي نتيجة نهائية، فالكثير تستطيع أن تسوّيه في جلسة واحدة، فنحن نرى أحزابا تعمل ولها مقراتها ووسائلها وتتواصل وهي مشتتة وهذا يرد على هذا وذلك يخاصم هذا وهو أمر معروف. في رأيك من هو بالضبط الذي يمثّل قاعدة الفيس الآن؟ اطارات الجبهة أحرار في التعبير عبر وسائل الإعلام وعند فتح المجال فكل حر في اختياراته، لكن في تقديري لو حصل لقاء أو اجتماع فالآراء غير متباعدة، وفي الغالب تتفق مع قيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بمن فيها الشيخ عبّاسي مدني والشيخ علي بن حاج وبقية الشيوخ الذين كانوا في السجن، فالأمر ليس بهذا التعقيد ولكنّ الظروف أنتجت هذا. يعني في رأيك لا تزال الجبهة أمرا واقعا؟ الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يتجاوزها الزمن ولازالت مشروعا رساليا وحضاريا فاعلا، وهي الآن محظورة وهي لم تعقد اجتماعا عاما حتى نحكم عليها، وكما يقول العلماء لا ينسب لساكت قول، فنحن لم نجتمع حتّى يستطيع أي أحد القول إنّهم اجتمعوا ولم يتّفقوا . الحريّات الآن تجعل يمقدروكم الالتقاء ولكن يظهر أنّ الخلافات تفرقكم؟ هذا شيء نسبي والأمور ليست بهذه السهولة، أمّا علاقاتنا بهؤلاء الإخوة فهي علاقات طيّبة، وحتّى الصحابة في سقيفة بني ساعدة اختلفوا فهو اختلاف تنوّع وهو ليس بالشيء السلبي ولو يكون هناك إن شاء الله لقاء ونقاش سيحصل توافق على قواسم مشتركة. في 2002 تم الاتفاق على دخول قواعد الفيس مع النهضة؟ في ذلك الوقت كان هناك من قواعد الجبهة الإسلامية للإنقاذ من رأى أنّه بعد هذه السنوات من الانقطاع عن الساحة السياسية فلمَ لا نأخذ هذه الفسحة؟ ولم يكن الأمر مرفوضا، لكن رأيتم ما قامت به السلطة فكل من تشمَ فيه رائحة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلا وحذف اسمه، وهذه سياسة إقصائية لا تخدم مصلحة الشعب وفي تقديري أنّ مبادرات كهذه كانت قد تخرج منها جسور لتجاوز الأزمة والانطلاق إلى مستقبل أفضل. لكن الآن هل يوجد حد أدنى من التوافق بين قيادات الفيس؟ هل هناك لقاءات ونقاش وكيف تنظرون إلى الأفق؟ الأفق دائما نراه بنظرة إسلامية لأن المسلم دائما متفائل، كما جاء في الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكر أن بعد الشر يأتي الخير، والخير بيد الله سبحانه وتعالى، والشعب الجزائري ضحّى وقدّم الكثير سواء في الثورة التحريرية أو قبلها وبعدها وضحّى بالكثير من دماء أبنائه وخيراته ومستقبله، وهو أحق بأن ينعم بالحريّة وممارسة حقوقه كبقيّة شعوب العالم. بالنسبة للأحزاب الإسلامية الأخرى ما سرّ الفجوة التي بينكم وبينها، فهي من حيث الخطاب تدافع عنكم؟ هي أحزاب معتمدة لها حرية الموقف. لكنكم تتجاهلونها، مثلا في رئاسيات 99 تركتم المرشح الاسلامي جاب الله وساندتم طالب الابراهيمي؟ أمّا الخصومة فلا توجد بيننا وعلاقاتنا بإخواننا طيّبة والحمد لله، وليس لدينا أي إشكال، ولكن الخلل في السلطة التي تعطيهم ضمانات وبعد دخولهم الانتخابات تزوّر النتيجة، وأرى في كل مرّة تحاليل عن التيّار الإسلامي بأنّه في تناقص وأنّ الربيع العربي جعل الإسلاميين يفوزون في كل مكان إلا في الجزائر وهو تقييم غير موضوعي وغير صحيح لأنّ الشعب الجزائري في غالبيته لا يشارك في الانتخابات، والتيار الإسلامي أغلبه منذ صدمة وقف المسار الانتخابي فقد الثقة ونرى أنّ الأحزاب الإسلامية بهذا الشكل تؤذي نفسها. ما هي أسباب هذه الانقسامات والتّشرذم؟ هي أمور داخلية ولا أستطيع التعليق عليها، فلكل حزب ظروفه ثم إن المراقب للساحة السياسية يرى أن الانقسام والتشرذم صارا ظاهرة عامة حتى في الأفلان والأرندي . هل هي نتيجة الاقتراب الزائد من السلطة؟ هذا صحيح. هل أنت على اتّصال بالشيخ عبّاسي وهل يوجد توافق بينكما في الرؤى؟ نعم فيه اتّصال بالشيخ عبّاسي لكنّه قليل بحكم الظروف، وأنا أكنّ له احتراما كبيرا، فهو شيخ وأستاذ وتعلمنا منه الكثير وقدّم الكثير للجبهة الإسلامية للإنقاذ وللدعوة الإسلامية. لمَ هو خارج الوطن رغم أنّه يستطيع العودة؟ نحن نتمنّى أن يعود في أقرب فرصة، وهو من مواليد سنة 31 أي عنده 82 سنة، وقدّم للجزائر وقت الثورة وقبلها، فمرّة مررت بباب الوادي فقال لي أحدهم بأنّه كان يسوق بالشيخ عبّاسي فقال له "في هذه العمارة كنت مختفيا من الاستعمار الفرنسي الذي كان يطاردني سنة 52"، وأهل وادي سوف يعرفون بأنّ جبهة التحرير الوطني أرسلته سنة 54 لاستقبال السلاح القادم من حدود ليبيا، وذهب إلى دائرة اميه ونسة وبالذّات في بلدية وادي العلندة وهذا قبل الثورة، وأيضا هو زميل الدراسة مع العربي بن مهيدي رحمه الله، وكانا يدرسان في زاوية الشيخ العابد ببسكرة وأذكر في الأسبوع الذي اعتقلنا فيه قرأت مقالة في جريدة "لاكتيالتي" في ذلك الوقت لرابح بيطاط رحمه الله في الأسئلة القصيرة قيل له "وعبّاسي مدني"، فأجاب "عرفته في 1 نوفمبر 54"، ورجل بهذه القيمة نحن نكنّ له التقدير والاحترام، وشرعا كما قال الإمام مالك رحمه الله "كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر" أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو رجل يعمل ويجتهد فيخطئ ويصيب والمعصوم من عصمه الله سبحانه وتعالى. البعض يقول بأنّ أبناءه يعيشون في الدوحة في نعيم بينما قيادات الجبهة الأخرى ومنهم علي بن حاج يعانون داخل الوطن؟ بعد ضرب الجبهة الإسلامية وقمعها وتشرد أبنائها ثم بعد ذلك كل واحد وما قدّر له الله سبحانه وتعالى من البلاء أو العافية. الشيخ علي بن حاج يطمح للتّرشّح للانتخابات الرئاسية فهل ترى أنّ هذا الأمر مقبول أم أنّه فقط من باب تعجيز السلطة أم يمكن أن يتحقق ذلك؟ الشيخ علي بن حاج في مسعاه ونضاله دائما يطالب بالحقوق سواء منها حقوق الشعب الجزائري بصفة عامّة كالحقوق السياسية والإعلامية والنقابية وغيرها وحقوقه الخاصة، أذكر أنّه مرّة في سجن تيزي وزو منع من التلفزة فقام باحتجاج حتّى أتوا له بالتلفزة لمشاهدة الأخبار بعدها قال "هذا حقي سواء شاهدت التلفزة أو لم أشاهدها فلا تمنعوني من حقي"، وهو كمواطن، فالتّرشّح حسب الدستور حق لكل مواطن فلمَ لا يترشّح؟ ففيه تعليم النّاس بأنّه لابد ان يكون الوضع وضع حريّات، فالشعوب في أوروبا تعيش حقوقها ومن باب أولى أن يكون ذلك للشعب الجزائري وأن تعطى له حقوقه وحرّياته لا أكثر ولا أقل. . شكر خاص للزميل الصحفي عبد المنعم شيتور على المساعدة في تفريغ الحوار