يغيب رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، لأول مرة منذ اعتلائه سدة الحكم عن الاحتفالات الرسمية، المخلدة للذكرى المزدوجة لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وتأميم المحروقات، ليضاف هذا الغياب إلى عدم افتتاحه السنة الجامعية والسنة القضائية، وبذلك يكون الرئيس قد مدد فترة صيامه عن الكلام ومخاطبته الشعب، التي أقفلت مدة 9 أشهر بالتمام والكمال. لأول مرة منذ تولي الرئيس بوتفليقة شؤون قصر المرادية في أفريل 99، سيغيب عن الاحتفالات الرسمية المخلدة للذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين المقررة الأحد القادم، حيث تنازل الرئيس عن هذا الحق والمنبر الذي ظل منبره للعديد من السنوات بإعلان العديد من الإجراءات الاجتماعية، للوزير الأول عبد المالك سلال، الذي فضل إعطاء الرمزية للإحتفال هذه السنة فاختار عين أمناس وتحديدا منطقة تيڤنتورين لتخليد الذكرى. وبعيدا عن تفويض رئيس مجلس الأمة تمثيله في عدد من المنابر الدولية وتكليف عبد المالك سلال مهمة تعتبر فوق العادة، إذا ما تم قياسها بالمهام التي كانت موكلة لسابقه أحمد أويحيي، وما كان ليحلم بها يوما، تأكد بصفة رسمية أن الرئيس بوتفليقة، حتى وإن أعطى عنايته للاحتفالات، إلا أنه لن يحضرها، كما لن يوجه خطابا أو حديثا أو رسائل مباشرة لا للعمال ولا لغير العمال، لتضاف هذه المقاطعة الإرادية للحدث، إلى امتناعه عن افتتاحه للسنتين القضائية والجامعية في سابقة هي الأولى من نوعها منذ انتخابه رئيسا للجمهورية في عهدته الأولى. الرئيس ألِف شخصيا الإشراف على افتتاح السنة الجامعية، كما عود الجزائريين انتظاره في افتتاح السنة القضائية، حتى وإن كان النشاطان سنة حميدة، سنّهما الرئيس ولا علاقة لهما بالتزاماته الرئاسية المحددة دستوريا، إلا أن التقليد أصبح عادة، وأضحتا مناسبتين يستغلهما الرئيس منبرا لمخاطبة الرأي العام وتمرير رسائله الداخلية والخارجية، إلا أنه تخلى عن هذا التقليد في رسالة مشفرة فهمتها أوساط متابعة على أن الرئيس ممتعض وممتنع عن إسماع صوته وتحديد موقفه من قضايا حساسة ومستجدات طارئة مثلما هو عليه الشأن بالنسبة لحادثة الاعتداء الإرهابي بتيڤنتورين والحرب في مالي التي فتحت الباب لاتهام الجزائر بالتخلي عن عقيدتها الدبلوماسية والأمنية بفتح مجالها الجوي أمام الطائرات الفرنسية. إضراب الرئيس عن الكلام، والذي وصلت مدته 9 أشهر كاملة، على اعتبار أن آخر "خرجة" خاطب فيها الجزائريين كانت عشية الانتخابات التشريعية في ذكرى مجازر الثامن ماي التي أحيتها ولاية سطيف، يأتي في خضم تفاعلات وصراعات سياسية، قراءتها إنقلابات وتصحيحات "ثورية" داخل ما كان يصطلح عليه بأحزاب السلطة الممثلين في حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، واللذان بقيا دون رأس ولا قائد بعد سحب الثقة من بلخادم، والاستقالة الجبرية وغير الطواعية لأويحيي. ولا أدل على أن الذكرى المزدوجة، كانت تشكل حدثا ذا قيمة عند الرئيس، وتفرض الوقوف عند تخليه عنها، تلك الإجراءات التي دأب الإعلان عنها كلما جاءت الذكرى، فقرار مراجعة الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون جاء عبر هذا المنبر، وإعلانه أن قانون المحروقات 2005 ليس قرآنا وسيعدل إذا اقتضى الأمر، وهو الأمر الذي حصل فعلا سنة بعد ذلك، كان من هذا المنبر، كما شهد تخليد هذا اليوم الإعلان عن مشروع استحداث مليوني مؤسسة صغيرة ومتوسطة. بوتفليقة الذي كان يفضل التحدث إلى النخبة في افتتاح السنة الجامعية، ومخاطبة ضمائر القضاة وأولي الأمر منا في مختلف الأجهزة الأمنية في افتتاح السنة القضائية، ومخاطبة شريحة العمال في قطاع المحروقات الذي يمثل عصب الاقتصاد الوطني، والعمال غير المنتمين لهذا القطاع في الذكرى المزدوجة لتأسيس اتحادهم وتأميم المحروقات، كما لم يكن يفوت فرصة في مختلف الأعياد الوطنية إلا ووجه رسالة إلى الشعب بمناسبة الحدث، صام الكلام، وخاصم الجزائريين، فلم يحدثهم رغم تواتر الأحداث والتي كان أهمها على الإطلاق حادثة تيڤنتورين، فما الذي يحدث بالضبط في أعلى هرم السلطة؟ وما الأسباب التي جعلت الرئيس محبطا كل هذا الإحباط لدرجة الاعتكاف؟ وهل هناك ما يربط بين ما يحصل وبين أفريل 2014؟