لم يقتصر التفوق الجزائري في كأس العالم 2014 على خروج الخضر بشرف من ربع النهائي أمام ألمانيا التي توّجت باللقب، بل امتد ليشمل الحكم الدولي الجزائري جمال حيمودي الذي تألق وأدار مباراة تحديد المركز الثالث بين البرازيل وهولندا (النهائي الصغير) ليعيد إلى التحكيم العربي والأفريقي أمجاد الحكم الدولي المغربي الراحل سعيد بلقولة الذي أدار نهائي مونديال 1998 بفرنسا. بعد قرار اعتزالك التحكيم اختفيت عن الساحة التحكيمية فأين أنت الآن وماذا تفعل؟ أنا مستقر الآن بضواحي العاصمة الفرنسية باريس مع عائلتي، وأنشط في مجال التحكيم بمنصب مكون ومراقب للحكام الفرنسيين الصاعدين. ما سبب قرار الرحيل عن وطنك الجزائر بعد تاريخك التحكيمي المشرف؟ لأنه تم التعامل معي بنوع من التهميش والظلم والتجاهل، وهو ما أحزنني وأثر في نفسي، فقررت مغادرة البلاد. هل أغضبك عدم تكريمك بعد إنجازك في كأس العالم 2014 بالبرازيل؟ بالطبع نعم أغضبني، لأنني إنسان لدي شعور، والجميع يعلم ما قدمت لوطني الأم الجزائر لكن كل شيء بقدر الله عز وجل. بعد أشهر عدة من إعلانك اعتزال التحكيم، أعلن الفيفا مد سن التقاعد للتحكيم الدولي إلى ما بعد 45 سنة ما دام يستطيع الحكم اجتياز الاختبارات الطبية والبدنية، ألم يشعرك ذلك بالندم على الاعتزال؟ لا، رغم أن مدير التحكيم بالاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) إيدي ماييه، طلب مني أن أمدد 4 سنوات بدنيا، ورغم أنني كنت أستطيع مواصلة التحكيم 4 سنوات أخرى، فإنني فضلت ترك مكاني للحكام الشباب، مكتفيا بفخري بكل ما قدمت، وأعدّ كأس العالم 2014 خير ختام لمسيرتي التحكيمية، ويكفيني أنني دخلت التاريخ لكوني أول حكم أفريقي يدير 4 مباريات في مونديال واحد. كنت أول حكم أفريقي تسند إليه مباريات قوية في كأس العالم منذ مونديال 2002 بكوريا واليابان الذي دخل بعده حكام أفريقيا في سبات مدة 12 عاما، فكيف اكتسبت ثقة لجنة حكام الفيفا إلى هذا الحد؟ تقوم إدارة الحكام بالفيفا باختيار قائمة الحكام ومتابعتهم على مدى 4 سنوات، أي إن التقييم بدأ مباشرة بعد مونديال 2010، ونلت ثقتها بعد نجاحي في المباريات والبطولات التي أسندت إلي طوال تلك السنوات التي ثبتّ فيها أقدامي في قارتي وأصبحت أفضل حكم أفريقي وأدرت كثيرا من المباريات المهمة والنهائية. فالمونديال الذي لا يتعدى الشهر تحضر له إدارة التحكيم في الفيفا سنوات، ونجحت بفضل الله في نيل ثقتها بمرور الوقت بعد ما أظهرت مستوى عاليا من الناحيتين الفنية والبدنية. ما تفسيرك للآراء التي تؤكد أن التحكيم في مونديال البرازيل كان أفضل من مونديال روسيا 2018 رغم استخدام حكم الفيديو المساعد (فار) في الأخير؟ أنا من مؤيدي هذا الرأي، فمونديال البرازيل كان الأفضل على مستوى الحكام وأداء المنتخبات أيضا، وما زلت إلى يومنا هذا أتذكر الأجواء العائلية التي كانت تجمعنا في الفندق المخصص لإقامة الحكام. وكان من أسباب نجاحنا، نحن حكام البطولة، روح العائلة الواحدة التي كنا نتحلى بها، فضلا عن التحضيرات الجيدة قبل المونديال تحت إشراف مدير إدارة التحكيم في الفيفا ماسيمو بوساكا والمجموعة المعاونة له، حيث قاموا بعمل ميداني رائع أسهم في الارتقاء بمستوى جميع الحكام لكي يكونوا على مستوى الحدث. حيمودي يلقي محاضرة على الحكام الصاعدين في باريس حيث يقيم ما رأيك كحكم دولي سابق في تقنية الفار وهل ترى أنه نجح أم فشل؟ أرى أن الفار نجح في مساعدة الحكام على العدل بين الفريقين عن طريق تصحيح الأخطاء التي يقع فيها الحكام، ورأينا في مونديال روسيا كيف تدخل الفار في 400 حالة تحكيمية تقريبا 20% صححت لكن مع مرور الوقت على الحكام محاولة أخد القرار الصحيح دون الاعتماد على الفار، وهذا ما تعمل عليه لجنة الحكام الفيفا في السنوات المقبلة. ما تعليقك على ابتعاد الحكام العرب عن الصدارة في أفريقيا بعد اعتزالك حيث خلفك منذ 2015 الحكم الغامبي بكاري غاساما في لقب أفضل حكم أفريقي واحتكره حتى الآن؟ مع الأسف التحكيم العربي تراجع بالفعل وذلك بسبب بعض المشكلات في اتحادات كرة القدم العربية التي لا تعمل على المدى البعيد بالاستثمار في مشروع الحكم الجيد لمدة 15 عاما، بل على المدى القريب للمشاركة في الدورات وحل مشكلات المباريات المحلية فقط، وهذه السياسات تعود بالتحكيم العربي إلى الوراء. وأعتقد أن الاتحاد القطري هو الوحيد الذي ينتهج سياسة جيدة مع الحكام، إذ قام مدير التحكيم هناك، ناجي جويني، بالبدء بتطوير القاعدة من الحكام الذين استمروا في العمل الإستراتيجي الممنهج حتى بلغوا القمة، وبعد سنوات قليلة من الاستعانة بالحكام الأجانب في العقد الماضي يدير الحكام الوطنيون جميع مباريات الدوري القطري حاليا، كما أنهم حققوا نجاحات كبيرة في المشاركات القارية والعالمية. وفي الحقيقة بدأنا عام 2020 نتفاءل بوجود كفاءات تحكيمية عربية وأفريقية بعد ما شهدنا عودة التحكيم العربي إلى الصدارة بتألق الجزائري مصطفى غربال والمغربي رضوان جيد على الساحتين الأفريقية والدولية. وما رأيك في غياب الحكام العرب عن الريادة في قارتي آسيا وأفريقيا؟ حتى الآن نشهد حضورا عربيا في كل البطولات الكبيرة، وبدأت بعض الاتحادات العربية تهتم وتقوم بعمل كبير للتطوير، وخير مثال كما قلت ما يقوم به الاتحاد القطري من عمل جبار، وأظن أن نتائج ذلك الاهتمام والتطوير ستظهر في مونديال 2022 بتألق الحكام العرب في البطولة التي ستقام على أرض قطر. أشدت بمواطنك مصطفى غربال بعد نهائي دوري أبطال أفريقيا، فهل ترى أن تصعيده بدلا من مهدي عبيد كان قرارا صائبا؟ أنا لا أسمي ذلك تصعيدا، فغربال سنحت له الفرصة وكان في المستوى، ومعروف أن التحكيم فيه الفرص والتوفيق، والعبرة بمن يقتنص الفرصة، وحتى مهدي عبيد شارف يمتلك مستوى جيدا لكن التوفيق خانه في أول تجربة للفار في أفريقيا، وأدلل على كلامي بأنه ما زال ضمن حكام النخبة في أفريقيا. رغم إنجازك التحكيمي الأبرز أفريقيًا بعد الراحل سعيد بلقولة، فإنك بعيد عن المناصب القيادية بالتحكيم الأفريقي الذي يتهم بالضعف وعدم النزاهة، فما السبب؟ هذا يرجع إلى اختيارات المسؤولين عن الكرة في أفريقيا وإدارة الاتحاد الجزائري، وهناك أزمة عانيتها وهي منع الكفاءات أصحاب الخبرات من الشباب من أخذ زمام القيادة، ولقد حرمت من الالتحاق بدورة تدريبية بالاتحاد الأفريقي رغم إرسال الكاف استدعاء باسمي إلى الاتحاد الجزائري الذي أرسل غيري. ومع ذلك أنا على أتم الاستعداد لتقديم خبراتي التحكيمية لحكام وطني الجزائر وحكام الاتحاد الأفريقي الذي يشهد غياب الوجوه الجزائرية القيادية في مجال التحكيم. (عن الجزيرة. نت)