بشيء من التجاهل لباقي أفراد الأسرة، ينكب الأولاد والآباء والأمهات، على هواتفهم الذكية، ويستغرقون وقتا طويلا في تأمل حساباتهم على مواقع "تويتر"، "إنستجرام"، و"فيسبوك".. عزلة يعيشها الكثير من الجزائريين، في المدة الأخيرة داخل بيوتهم، تمهد لانفرادية قاتلة قد تمزق الروابط الأسرية بانعدام الحوار بين أفرادها. وإلى جانب العزل الصحي الذي عايشته الأسر الجزائرية منذ شهر مارس الماضي، بانتشار فيروس كورونا المستجد، واتخاذ إجراءات احترازية للوقاية والحد من العدوى وفرض حظر التجول، فإن بقاء الجزائريين مضطرين في منازلهم لمدة طويلة لم يقض على العادة السيئة لدى بعضهم، من المدمنين على الهروب من الحوار والنقاش مع العائلة إلى عالم افتراضي عبر "سمارت فون"، أو جهاز الكومبيوتر. يجلسون في نفس الغرفة، وإلى نفس المائدة، دون الانتباه لأقرب الأشخاص إليهم.. قد تكون الأم أو الزوجة أو البنت.. قد يكون الأب، الزوج، أو الابن.. لكن ثمة شخصيات افتراضية تأخذ العقول والعاطفة عبر هاتف ذكي، عبر "تويتر" أو "فايسبوك"، أو "أنسترجرام". إن أغلب الجزائريين اليوم، يملكون هواتف ذكية، وحسابات على مواقع إلكترونية، ففي عز الحجر المنزلي، وهم يعيشون أشبه بالعزلة التامة عن أشخاص خارج المنزل، فإن البعض منهم يجد نفسه حتى داخل إطار البيت العائلي، يتجاهل أفراده مفضلا عالما افتراضيا وأصدقاء افتراضيين. تغير المفاهيم في الأسرة والانفرادية تهدد بتمزقها وقال في السياق، البروفسور احمد قوراية مختص في علم النفس التربوي والتنمية البشرية، إن المجتمع الحديث، تغيرت معه السلوكيات وانعكست على ما كان عليه المجتمع الكلاسيكي، حيث كانت الأسرة "كينونة" ملاحمة بين كل أفراد الأسرة في جميع الميادين، ففي المرض تشعر الأسرة كلها أنها مريضة وفي التربية كانت الأسرة تربي وتنمي الفكر والجانب الروحي الاجتماعي. كما كان أيضا الجيران، حسبه، والمجتمع يكملان التربية لتلك الأسرة، وحينما دخلنا المجتمع الحديث "تغيرت المفاهيم جئنا لكي نتطور بثقافة الغرب بما ينتجه من تكنولوجيات الدقيقة والهواتف الذكية وضيعنا الأصالة والثقافة والتربية السلوكية". ويضيف قوراية، إننا "أصبحنا ذائبين في ثقافة الآخر وكارهين ثقافتنا الأصيلة لتربية الأبناء". ويرى مختص علم النفس، احمد قوراية، أن التكنولوجيات ذوبت العلاقات الأسرية وخربت المنطق التربوي السلوكي وعزلت أفراد الأسرة، وذلك باستعمال كل فرد لهاتفه الذكي، فغاب بذلك الحوار حول طاولة الغداء أو العشاء بحيث ذلك الحوار كان يلازمه السلوك التربوي للأبناء، ويشبع بطنه ويتغذى بالتربية النفسية تشبع عقله وكان الحوار هو السيد السائد داخل الأسرة. وقال المتحدث إن هذا الواقع الانعزالي ولد ظاهرة نفسية اجتماعية وهي تفكك الأسرة من جراء عوامل نفسية بحثية بحتة لخبراء علم النفس المشاركون في إنتاج تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، حيث تم غرس في نفوس الناس عنصر التشويق النفسي وعنصر التعطيل النفسي العقلي، بحيث لا يفكر الشباب العربي في التعاطي مع التواصل الاجتماعي ويبقى تابعا عابثا لمواقع التواصل الاجتماعي. مواقع التواصل قضت على التواصل بين الجزائريين أكد البروفسور احمد قوراية، مختص في علم النفس التربوي والتنمية البشرية، أن الأسرة الجزائرية مهددة بالتمزق جراء استعمال المفرط والسيئ لمنصات التواصل الاجتماعي، والانفراد بالهاتف الذكي والإبحار طويلا في العالم الافتراضي، بعيدا عن الحوار والنقاش وسط الأسرة، وهذا يحتاج حسبه، إلى إرادة قوية من خلال برامج نفسية عقلية لبرمجة وتحويل العالم العربي إسلامي إلى مستهلك فقط ودون تفكير وزرع قابليته للذوبان في كل ما يصنعه الغرب، وهو المحبب إليه، ورفض المنتج المحلي. وحذر من برمجة نفسية صهيوغربية قبلية تهدف لتحويل الشباب العربي الإسلامي من القوة إلى الضعف، وهي عنصر ضرب الثقافة العربية الإسلامية المرتكزة على التربية الخلقية الإنسانية في العمق وذلك باستعمال العنصر الثقافة نصف البدن الأسفل في تهييج النفوس الشباب العربي وغرسه في زاوية نصف البدن الأسفل. وأوضح، قوراية، أن الفساد الأخلاقي موجود في بلادنا أكثر من الغرب، لان التكنولوجيا برمجت للعرب والمسلمين على أساس إفساد وانحلال الجانب الأخلاقي في نشر الرذيلة والفساد البشري وما هذا حملته بعض الاتفاقيات الغربية. وأشار إلى أن ما نعيشه اليوم، وحسب بعض الدراسات، يؤكد حالة الشباب العربي الذي نجد أن دافعيته الأقوى لديها وفي المرتبة في الأولى، دافعية عن الجنس ثم تأتي دافعيته للوصول إلى المال حتى ولو كان فاسدا "وهذا ما وجدناه في دراساتنا" يقول البروفسور قوراية. وأكد ذات المختص، أن 60الف حالة طلاق في محاكم الجزائر، من بين أسبابها الدافعية الأقوى وهي الارتكاز على عامل النزوة الجنسية وعدم الارتكاز على تكوين الأسر، والإنجاب والتربية الصحيحة وبهذه التربية الموجودة في مجتمعنا الحديث أفسدت بذلك قيمة الإنسان سواء الرجل أم المرأة. وقال قوراية، إن مجتمعنا دخل مثل الغرب في "عبثية النسل" والإشباع الجنسي فقط ومما أدى بنا إلى كثرة المشاكل النفسية الاجتماعية داخل الأسرة في هذا المجتمع الجديد. ويضيف، دخلت الأسرة أيضا إلى العبث واللعب بميثاق الله الغليظ، وهذا ما كان مقدسا في المجتمع الكلاسيكي القديم، بحيث كان أسمى وأرقى العقود هو عقد الزواج، وبالتالي حتى الطلاق لا يكون إلا في الحالات النادرة. مسؤولية كبيرة والمرأة المتهم الأول يرى البروفسور قوراية، أن الطلاق كان مثل حكاية أو أحجية عبر الزمن، ولكن بعد إفساد العلاقة المقدسة، أصبح الزواج للإنجاب دون التربية ونرمي هؤلاء الأولاد إلى شارع تسوده التربية السيئة ويقوده أصحاب الأخلاق المتدنية، فالأطفال اليوم هم سبه، تحت وطأة خطر السلوك التربوي الخاطئ. الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، حسب المختص في التربية، البروفسور قوراية، هي وسائل شجعت عن ضعف الحوار في العائلة، حيث أصبح أفراد الأسرة يجتمعون حول المائدة للشبع البطني دون النفسي والعاطفي، فهم يهيجون من الغذاء دون عقل. قال ذات المختص، إن علينا أن نتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة التي حولت أبناءنا عابدين لها، من خلال غربلة ومراقبة ومرافقة نفسية، حتى لا يتيهون في عنصر التشويق السيئ الذي "يخطف منا أبناءنا ونحن متفرجون". هذه الأمراض النفسية التي تسببها الأجهزة الإلكترونية داخل الأسرة من جهته، أكد لحسن بوجناح، مدرب في السلوكيات والعلاقات الزوجية، أن أبناء بعض الأسر الجزائرية مهددين بانفصام حسي عاطفي قبل الجسدي، حيث طاقة الإدمان على الأجهزة الإلكترونية قوية، وحسب دراسة أكادميين حسبه، فإن الإدمان على الهاتف النقال بمثابة جرعة 1 غرام من الكوكايين، وأن بعض التلاميذ والأطفال اليوم يعيشون نوبات فزع وبكاء حاد، وهذا جراء بقائهم طويلا أمام الأجهزة الإلكترونية والتلفاز. وحمل بوجناح، الزوجة مسؤولية التربية الصحيحة اليوم، حيث قال إن المرأة التي ترى أنها غير قادرة على متابعة أبنائها وإعطائهم وقتا طويلا من حياتها اليومية، عليها أن لا تنجب، حيث فضل المرأة الماكثة في البيت وهي مرحلة يجب أن يعطى فيها أهمية كبيرة لمتابعة ومراقبة الطفل. حيل لمواجهة إدمان الهواتف الذكية و"الفايسبوك" ويقترح خبير السلوكيات الأسرية، الدكتور لحسن بوجناح، أن توضع استراتيجيات للحد من الإدمان على الهواتف الذكية، ومنصات التواصل الاجتماعي، داخل الأسرة، حيث قال إن على الأولياء أن يتعاملوا مع أبنائهم بذكاء وهذا من خلال تعطيل الهواتف الذكية والحواسب دون إخبارهم بذلك، والتفاهم مع مصلح هذه الأجهزة على أنه لم يستطع إيجاد سبب العطب. وأوضح أن إبعاد الطفل عن هذه الأجهزة لمدة 3 أسابيع يمكن أن يعالج الإدمان، كما يرى أن طريقة "المقايضة" أي التعامل مع الأولاد بشرط الواجب والفرض في السماح لهم باستعمال الأجهزة الإلكترونية حل آخر يمكن أن يأتي بنتيجة، حيث يعود الطفل على طاعة والديه. وقال بوجناح إن الطفل من سنة واحدة إلى سبع سنوات يبحث عن اللعب واللهو وإن الهاتف النقال يدربه، ولكن يجب التعامل مع ذلك بحذر، أما مرحلة المراهقة فإن على الأم أن تعلم ابنها مهارات الحياة بأن تشركه في الكثير من النشاطات اليومية، وتتحاور معه، وأن يعطي الأب نصيبا من وقته أيضا للمناقشة والحوار، وأن يفرض في بيته التخلي عن الهواتف النقالة والأجهزة الإلكترونية في فترة معينة حتى تصبح عادة. في السياق، أكد المختص في المعلوماتية، الدكتور عثمان عبد اللوش، أن على الأولياء استعمال تطبيقات رقمية لمراقبة أبنائهم وهم يتصفحون المواقع الإلكترونية، وأن تسعى المؤسسات التربوية لتعليم ما يسمى بالخوارزميات في التكنولوجيا، وهي طريقة تجعل الشباب يتعاملون مع الرقمية كوسيلة إيجابية وليست سلبية. الألفة المزيفة لمواقع التواصل تضعف الحوار في الأسرة قال المختص في علم النفس، الدكتور مسعود بن حليمة، إن الألفة المزيفة التي يتعود عليها أفراد الأسرة الواحدة عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، تقضي على تبادل الخبرات والمشاعل، وتضعف الحوار، وحتى التلفزيون أصبح اليوم يساهم سلبيا من خلال المسلسلات التركية في ذلك. ولكثرة المكوث أمامها والإدمان عليها، لأنها تساهم حسب بن حليمة، في ضعف علاقات الأبناء بأبويهم، وتصيب بأمراض الاكتئاب العزلة والانطوائية، وتزرع عقلية نقص قابلية قيم المجتمع وثوابت الدين، حيث تسود قيم رواد التواصل الاجتماعي. ويرى أن العزلة الاجتماعية هي أيضا من بين أسباب الإدمان على "الفايسبوك"، حيث إن الذين يعانون الفشل في إقامة علاقات إنسانية طبيعية مع الآخرين، يبحثون عن الألفة الافتراضية.