في مدينة الألف قبة وعلى ضفاف رمالها الذهبية تحكي وادي سوف المضيافة والتي تبعد عن العاصمة الجزائر ب630 كلم، تاريخا وحضارة توارثها الأبناء عن الأجداد، تجسدت في الصناعات التقليدية التي اهتم بها سكان المنطقة، لتبدع أناملهم من مخلفات النخيل كل ما هو تقليدي ومصنوع باليد من سجادات وقفف وحتى لوحات وصالونات صُنعت بأوراق النخيل. اشتهرت مدينة وادي سوف بصناعاتها التقليدية التي عادة ما تستخدم في الخدمات المنزلية والديكور، والتي تستمد موادها الأولية من غيطان المنطقة ونباتاتها وصخورها، ولذا اختيرت مدينة الألف قبة وقبة لحمل مشعل الحفاظ على صحة المستهلك والبيئة والنهوض بالصناعات التقليدية بالمنطقة والتي تعتبر مصدر عيش للكثير من العائلات السوفية، حيث تم الإعلان عن مشروع "توزيع مليون قفة تقليدية مصنوعة من أوراق النخيل للقضاء على الكيس البلاستيكي" وهي المبادرة التي أطلقتها الفدرالية الجزائرية لحماية المستهلك برعاية وزارتي التجارة والسياحة، واحتضنتها مدينة وادي سوف المضيافة، موازاة مع الاحتفال باليوم العالمي للمستهلك خلال شهر مارس الفارط، لأجل إعادة الاعتبار للصناعة التقليدية بالمنطقة وإنعاش السياحة الصحراوية في مدينة الألف قبة.
حرفة متوارثة في مدينة الرمال الذهبية، ووسط الطبيعة الخلابة لمدينة سيدي خليل بدائرة المغير التابعة لوادي سوف، نشأ الحرفي (جموعي سعدوني) في كنف أسرة اشتهرت بالحفاظ على الحرف التقليدية، والاشتغال في صناعة المنتجات التي تستخدم فيها مخلفات "النخيل"، تلك الشجرة المباركة التي تجود بثمارها رطبا وتمرا من أجود التمور في المنطقة، وتمنح أوراقها السعف كمواد أولية للمهتمين بالصناعات التقليدية. ولدى حديثه ل"الشروق" صرح الحِرفي سعدوني جموعي على أنه ورث حرفة صناعة القفف والسجادات والمظلات عن والده منذ 1967، واعتبر أن مبادرة وزارتي التجارة والسياحة وفدرالية حماية المستهلك للترويج للقفة التقليدية وإعادة الاعتبار لها، جاءت في الوقت المناسب وهذا بعدما عانى الحرفيون في المنطقة من مشكلة تسويق منتجاتهم، ومن البطالة المؤقتة بسبب إهمال الصناعات التقليدية في الجزائر. وأكد محدثنا أن القفة المصنوعة من ورق النخل أو "الدوم" صحية أكثر من الكيس البلاستيكي، خاصة أن المواد الأولية طبيعية وتستخرج من النخيل، وأشار إلى أن السلع التي ينتجها كسجادات الصلاة والقفف وحتى المظلات تسوّق في فرنسا، ودعا الجزائريين إلى الرجوع إلى الأصل واستعمال القفة التقليدية بدل الكيس البلاستيكي.
خطر الكيس البلاستيكي وفي هذا المقام، أكد المكلف بالاتصال في الفدرالية الوطنية لحماية المستهلك حسان منوار ل"الشروق" بأن مشكل الكيس البلاستيكي من أهمِّ المشاكل التي تواجه المستهلك، والتي تسعى جمعيات حماية المستهلك لإيجاد حل له، ولذا جاءت مبادرة "مليون قفة مصنوعة بأوراق النخيل" للتقليل من استخدام الكيس البلاستيكي المضرّ بالصحة والذي يتطلب 400 سنة ليذوب، وتؤكد الأبحاث العلمية أن حفظ المواد الغذائية في كيس بلاستيكي يسبب السرطان بسبب المواد الكيميائية السامة التي يصنّع بها. ويضيف منوار بأن فكرة توزيع مليون قفة ستمكن من إحياء الصناعات التقليدية وتوفير مناصب شغل للعائلات التي تحترف هذه الصناعات وكذا للحفاظ على صحة المستهلك. وفي هذا السياق اعتبر محدثنا بأن مشروعا مثل هذا يتطلب تضافر الجهود، ووجه رسالة إلى المستثمرين ورجال الأعمال لدعم هذه المبادرة لتعمم على كافة القطر الجزائري.
حلم بعث الصناعات التقليدية من جهته، قال أحمد بن عبد الهادي المدير العام للصناعة التقليدية بوزارة السياحة بأن مبادرة إنعاش الحرف التقليدية بوادي سوف تأتي لتمكين المئات من الأسر لتنتج وتعيش من ريع الحرف التقليدية التي كانت إلى وقت قريب مهدده بالزوال بسبب التكنولوجيا وتخلي الجزائريين عن هذه الحِرف. وأضاف عبد الهادي في مداخلته بمناسبة الملتقى الوطني التاسع لحماية المستهلك بوادي سوف بأن مبادرة توزيع "مليون قفة" لأجل الحفاظ على المستهلِك من شأنه أن يعيد الاعتبار لليد العاملة بالمنطقة، ليعتبر ذات المتحدث بأن "صناعة القفة التقليدية" هي الحرفة التي توارثها الأبناء عن الأجداد ويمتهنها أناس بسطاء وعائلات في الأرياف والمداشر، والتفكير في إعادة الاعتبار لهذه الصناعات سيمكن هذه العائلات من كسب قوتها وإيجاد مصدر رزق. واعتبر عبد الهادي بأن أهم شيء في هذه المبادرة يكمن في القضاء على الكيس البلاستيكي بالرجوع إلى القفة الأصلية والمصنوعة من مشتقات النخيل "السعف، الحلفاء، الدوم" خاصة أنه من قبل كنا نستورد من ماليزيا كل المواد الأولية، والآن اكتشفنا مشتقات النخيل وهي المواد التي تحافظ على صحة المستهلك. وتسعى وزارة السياحة والصناعات التقليدية لتطوير الحرف التقليدية بوادي سوف، حيث أكد الأستاذ عبد الهادي على أن حوالي 70 حرفيا استطاعوا الوصول إلى منتوج يمتاز بمواصفات الجودة العالمية و62 بالمئة منهم أعمارهم تقل عن 40 سنة، وهذا ما يعني أنه حتى الشباب لديهم اهتمام بالحرف والصناعات التقليدية.