ينقذ ألأدلة سنويا حياة العشرات من المواطنين الضائعين في الصحراء ويعثرون على جثث آخرين لقوا مصرعهم عطشا أو قتلوا بلسعة عقرب أو أفعى سامة وعثروا أيضا على معالم وأثار في قلب الصحراء لم يتمكن الباحثون من الوصول إليها بواسطة تكنولوجيا الاتصالات ،هؤلاء الأدلة هم رجال يتحدون كل الظروف القاسية ويقهرون الطبيعة بصبرهم ن ويعرفون الصحراء الجزائرية الكبرى كما يعرف كل منا بيته أو جيبه كما يقال من حدود المنيعة ، ورقلة ، اليزي ، جانت ، تمنراست حتى الحدود الجزائرية مع مالي ونيجر. و يعرف الدليل كل ممرات الصحراء الفيافي والبيادي والوديان والأماكن الخطرة والآمنة ويستطيع معرفة منابع الماء بحكم طبيعة حياته ونمط معيشته فهو نصف رحل في الشتاء يحترف تربية المواشي في الصحراء وفي الصيف يعود الى المدينة لجني التمور وممارسة التجارة وأصبح الدليل رجل أمن الصحراء الأول لا تستطيع الوكالات السياحية الاستغناء عنه أو تنظيم رحلة سياحية دون اللجوء اليه والاستدلال به فهو من يحدد أين يقضي السياح ليلهم وأماكن تواجد المياه والأماكن التي يتجنبون المبيت فيها وصولهم كمناطق فيضانات والوديان الجارفة التي تفيض فجأة ، لم يكن باستطاعتنا الوصول بسهولة إلى دليل معروف في منطقة تيديكلت الواقعة في قلب الصحراء شمال تمنراست لان عدد الأدلة قليل لا يتعدى الثلاثين ينشطون على مساحات شاسعة وبالغة الخطورة والقسوة تمتد من ولايات غردايةورقلة اليزي الى غاية الشريط الحدودي الجنوبي . لكننا التقينا بهم عن طريق مسؤولين بالمديرية الفرعية لحظيرة الهقار بعين صالح كونهم يعملون كأعوان وحراس حفظ للآثار ، يقصدهم مسؤولون وإطارات في شركات أجنبية ووطنية لإيصالهم الى نقاط تواجد الورشات وآبار الغاز ، لأن الكثير من هؤلاء الإطارات عادة ما يضيعون في الصحراء بمجرد ابتعادهم عن الطريق المعبد ولو بأمتار قليلة ، ونظرا لشساعة الصحراء فهم لا يتذكرون الممرات مما يعرضهم للضياع. التقينا بالسيد بن بحان علال من أعمدة الأدلة في منطقة وسط الصحراء "تيديكلت" يبلغ من العمر 47 سنة ، يعمل دليلا منذ سنة 1972 لصالح بلدية عين صالح ثم التحق بالحظيرة الوطنية سنة 1989 ، رجل هادئ كا برفقة دليل آخر يدعى حفاوي بوعمامة من منطقة قصر العرب بعين صالح ، لقد حفظ الأدلة معابر الصحراء منذ عقود من الزمن بسبب تجارة المقايضة التي كانت تتميز بها المنطقة حيث كانوا يصلون الى "تمبكتو" المالية على ظهور الجمال يتبادلون التمور بسلع أخرى، قال لنا "علال" أنه تنقل في الصحراء على ظهور الجمال ويحفظ طرقها جيدا رغم صعوبة المناخ البارد في الشتاء والحار في فصل الصيف "نسير بمعدل 40 كلمتر في اليوم حيث تستغرق رحلتنا من تمنراست الى ورقلة على ظهور الجمال 37 يوما والى عين صالح 30 يوما ومن برج باجي مختار إلى عين صالح نستغرق 21 يوما ومن منطقة "سيلات" جنوب تمنراست عبر طريق"تن زيزة" الى عين صالح نستغرق 23 يوما نأخذ معنا أكلنا وشربنا وكل ما تتطلبه الرحلة ونستدل بنجمتين ثابتتين في السماء ، النجمة الأولى تدعى " بلهادي"عندما تكون على اليسرى فيعني أننا متجهين من عين صالح الى الشرق وعندما تكون النجمة على يميننا فنحن متجهون غربا والنجمة الثانية تسمى"سهيل"تدل على اتجاه الجنوب فان كانت على يميننا فنحن متجهين من وسط الصحراء إلى تمنراست جنوبا وعندما تكون على يسارنا فنحن قادمون من تمنراست ،أما في النهار فنستدل بجبل شامخ العلو يدعى " عنق المهدي وهو جبل يظهر على بعد 40 كلمتر نعرف به ضواحي مدينة عين صالح عندما نكون قادمين من الجنوب". ويعمل الأدلة حاليا على توريث هذا العمل الإنساني الشريف لأبنائهم ، كما فعل"علال" الذي علم ولداه البالغان من العمر 26 و21 سنة الصحراء بكل منافذها وأسرارها ولازال يعلم اثنان آخران يبلغان من العمر 17 و10 سنوات حتى يورثهم مهنة الدليل . فبفضل الخبرة استطاع الأدلة أن يحفظوا الصحراء وتدخلوا في عدة نشاطات أجريت في الصحراء فهم من اختار مسار مسابقة الطائرات الشراعية الصغيرة سنة 1993 التي نظمتها الرابطة الوطنية لرياضة الطيران الشراعي حيث أمنوا للطائرات الصغيرة 4 مهابط صغيرة في قلب الصحراء لتحط فيها دون صعوبات طبيعية الأول في منطقة "مطلق برغة" شرق عين صالح والثاني في "أمقيد" والثالث في "إن إكر" الواقعة في قلب الصحراء والمهبط الاخير في مدينة تمنراست. اطارا ت ضاعوا في الصحراء وعثر عليهم الدليل لقد أنقذ هؤلاء الرجال حياة العشرات من الضائعين في الصحراء منهم إطارات ومسؤولين في شركات بترولية كادوا ان يفقدوا ويكون مصيرهم الموت عطشا أو بلسعة أفعى كما عثروا على هياكل عظمية لأشخاص تاهوا في الصحراء ففي سنة 1965 تاهت عائلة من 4 أفراد كانوا قادمين من مدينة المنيعة الى عين صالح عبر طريق صحراوي واخطؤوا الاتجاه فسلكوا طريقا غربيا قذفتهم في مكان معزول ونفذ منهم الوقود فماتوا في المكان المسمى"تيكنتور"وقد خرج كل أهالي المدينة للبحث عنهم وبعد ايام عثر عليهم دليل موتى ، ولا تزال قضية الضياع في الصحراء مسألة مألوفة ، فقد يفقد أي شخص يبتعد ولو بامتار قليلة عن الطرق المعبدة أو الطرق الصحراوية الكبيرة المعروفة خاصة عند هبوب العواصف الرملية ، فقد فقد سنة 2006 شخص في الأربعين من العمر كان قادم من "ايقسطن" 25 كلمتر عن عين صالح متجه إلى منطقة البركة لكنه لم يظهر إلى اليوم رغم عمليات البحث . وقد عثر الدليل المدعو حفاوي بوعمامة سنة 2005 على احد التائهين في الصحراء يسكن منطقة الدغامشة فقد بعد خروجه من البيت في يوم كانت فيه الراياح الرملية شديدة السرعة والرؤية فيها لا تتعدى 3 أمتار فاتصلت عائلته بمسؤول الحظيرة بعين صالح فسخروا سيارتين للبحث عنه رفقة الدليل الذي اخبرهم أن المفقود سار شرقا مع اتجاه الريح فمشطوا اكبر مساحة من الصحراء باتجاه الريح وعثر عليه تحت كومة من الرمل فاقدا للسمع على بعد 25 كلم جنوب غرب عين صالح باتجاه المنطقة المسماة "اقبلي". وتقوم الشركات العاملة بحقول الغاز الطبيعي في الصحراء بالاتصال بالدليل في كل مرة يفقد فيها عمالها ويخطئوا الطريق الى نقاط الحفر والتنقيب على الغاز فقال لنا "علال"أن الشركة التي تعمل على بعد 29 كلم شرق فقارة العرب بعين صالح اتصلوا به عدة مرات للمشاركة في البحث على عمال فقدوا واظلوا الطريق الصحراوي، حيث عثر الدليل على خمسة عمال كانوا على متن سيارة هيولوكس وشاحنتين من الوزن الثقيل فقدوا الطريق الى مكان مشروع التنقيب على بئر الغاز بين منطقتي "معروف"و"وادي صويلح"جنوب شرق عين صالح ،وكان رئيس المشروع قد قصد بيت الدليل في أول يوم له وأوصله الى مكان البئروبعدها قام الأدلة بوضع إشارات ومعالم على طول الطريق الصحراوي المؤدي لبئر الغاز حتى لا يضيع العمال . ويمثل الدليل عامل الامن الاول في السياحة الصحراوية حيث ينص القانون على دليل لكل عشرة سياح لتفادي ضياعهم ولمراقبة تحركاتهم ايضا والحفاظ على اثار حظيرة الهقار الوطنية من النهب فالدليل هو عون حفظ وحارس للحظيرة ومكتشف أيضا فهو من عثر على اشهر قبر جنائزي في الصحراء يدعى "ادبنان" باللهجة الترقية هذا القبر تحدث عنه أحد الباحثين الفرنسيين وقال أنه موجود في منطقة تيديكلت ويوجد شبيه له في المغرب ، وقد قدم البروفيسور حدوش عبد القادر من مركز البحث الجيولوجي والاثار بالعاصمة للبحث عن القبر النادر الدي عثر عليه أدلة الحظيرة بين عرق"تقانت"والمكان المسمى"أقلمان بورحلة"في صحراء "امويدر" بعين صالح. وعلى الرغم من مكانة الدليل في منطقة الصحراء ألا أنه من فئة الموظفين "المحقورة" يتقاضى راتبا شهريا هزيلا لا يتعدى 14 ألف و600 دينار شهريا فقط . ربورتاج/ ليلى مصلوب