أعربت الحكومة الجزائرية في أول رد فعل رسمي لها، عن امتعاضها من إقامة صانع السيارات الفرنسي "رونو" أول مركب له لصناعة السيارات في منطقة المغرب العربي بمدينة طنجة المغربية، وتساءلت عن المعايير التي تمت على أساسها إقامة هذا المركب على التراب المغربي دون غيره من دول المنطقة. امتعاض الحكومة الجزائرية جاء على لسان وزير الصناعة وترقية الاستثمار حميد تمار، مساء أول أمس الجمعة بمقر حركة المؤسسات الفرنسية "ميداف" بباريس. عبد الحميد تمار، وفي لقاء بعدد من رجال الأعمال الفرنسيين لم يكن من بينهم ممثلين عن اثنين من أشهر صناع السيارات الفرنسيين، وهما مجمعي "رونو" و "بوجو"، قال إن الجزائر يهمها كثيرا أن يقوم مجمع رونو بإنشاء مركب لصناعة السيارات على ترابها، غير أنه وبالرغم من التسهيلات التي قدمتها (الجزائر) في هذا الإطار للصانع الفرنسي، إلا أن الأخير اختار الجارة المملكة المغربية لإقامة هذا المركب، كما جاء على لسان الوزير. انتقاد ممثل الحكومة، الذي كان مبطنا بشيء من اللباقة، لم يقتصر على مجمع "رونو"، بل امتد أيضا إلى الصانع الفرنسي الآخر، الذي يسيطر على قسط معتبر من السوق الجزائرية، ممثلا في مجمع "بوجو"، لكن بحدة أكبر، كون هذا الأخيرة، كما قال تمار، لم يكتف بعدم إقامته مركب لصناعة السيارات بالجزائر، بل تعدى ذلك إلى مطالبته الحكومة الجزائرية بتمويل مشروع للمجمع الفرنسي، يسمح بتزويد القائمين على شؤون الصيانة بأجهزة إلكترونية لاكتشاف أعطاب محركات سيارات بوجو، وهو المقترح الذي قوبل بالرفض من قبل الحكومة الجزائرية. وتنبني انتقادات وزير الصناعة وترقية الاستثمار لأشهر صانعي السيارات الفرنسيين، على الكثير من الوقائع المبررة، ف"بوجو" و"رونو"، يتمتعان بحظوة كبيرة في السوق المحلي، تجلت من خلال حجم المبيعات التي تبقى مرتفعة مقارنة ببقية المنافسين، نظرا للاعتبارات التاريخية، التي جعلت منهما الأقدم تواجدا في السوق المحلي، فضلا عن حصتهما الدائمة في الطلبيات الحكومية ومختلف الهيئات الرسمية، والتي كان آخر هذه الطلبيات، تلك التي قدمتها الأسبوع الماضي المديرية العام للحماية المدنية، بقيمة 17 مليار سنتيم ( 12.5 مليون دلاور) إلى مؤسسة رونو الفرنسية بهدف تزويدها ب 290 سيارة إسعاف أرضية وطبية. وبالرغم من هذه الحظوة، والتي كان ينبغي أن يقابلها على الأقل، إقامة مصنع للسيارات بالجزائر، يخلق مناصب شغل جديدة للجزائريين، ويذر على الخزينة العمومية القليل من العملة الصعبة، تلجأ شركة "رونو" لإقامة مركب بمدينة طنجة المغربية، وتعمد شركة "بوجو" إلى فتح مركز ببئر توتة بالعاصمة لاستيراد قطع الغيار من فرنسا، ليتكرس ليس فقط استيراد السيارات الجاهزة، بل حتى استيراد قطع الغيار، وبالتالي بقاء السوق الجزائرية مجرد وعاء لامتصاص ما هو آت من الخارج، وفي ذلك إضرار كبير بالمصالح العليا للبلاد. ويكشف موقف عملاقي صناعة السيارات في فرنسا، عن منطق براغماتي تفوح منه رائحة الكثير من الأنانية، وخاصة إذا علمنا أن المجمعين يقومان بتسويق منتوجاتهما مباشرة في السوق الجزائرية، دون أن يمنحا حق الإمتياز لمثل رسمي جزائري على عكس بقية الماركات العالمية المتواجدة بالسوق المحلي. ويبقى تصريح عبد الحميد تمار رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يحضر لزيارته الثانية للجزائر شهر ديسمبر المقبل، وخاصة إذا علمنا أن زيارته الأولى في جويلية الأخير كانت قد تضمنت حرصا منه على دعم ثلاثة فروع في الصناعة الفرنسية تأتي في مقدمتها صناعة السيارات، إضافة إلى صناعة الدواء والصناعة الغذائية. محمد مسلم