هو فصل لم يأخذ نصيبه الوافر من الحديث، لذا يفتح "الشروق أون لاين" النقاش حول ملف لا نريد من ورائه تقليب المواجع وإعادة فتح جراح الماضي، وإنما قناعة بأنّ بناء الغدّ على أسس متينة يقتضي استخلاص العبر من أخطاء الأمس. الأمر يتعلق بنجوم كبار لم يتم الاستفادة منهم بالشكل الكافي، وكان يمكن لتفعيلهم أن يمنح الجزائر نتائج أكبر من تلك التي حققتها. يتصدر قائمة من جرى تغييبهم، ذاك الفنان "يوسف حراوي" (مواليد 12 ماي 1965 بالجزائر العاصمة)، ولعل الكثير من شباب اليوم لا يعرفون حراوي هذا المراوغ الماهر الذي تخرّج من مدرسة باريس سان جيرمان، لكنه لم يحظ بتواجد طويل مع المنتخب الوطني الذي نشط فيه بشكل متقطع بين أكتوبر 1990 وفيفري 1992، ويجمع الكل على المستوى الفني الممتاز الذي جعل حراوي يخطف الأضواء في بطولات فرنسا، تركيا وكذا يوغوسلافيا الراحلة التي كان أول جزائري يلعب في بطولتها مع نادي بارتيزان بلغراد. واستطاع حراوي في فترة وجيزة أن يصنع لنفسه مكانة كبيرة في قلوب عشاق الخضر الذين رأوا فيه خليفة النجم الفذ الأخضر بلومي، سيما إثر أدائه الاستثنائي في المقابلة التي جمعت الخضر بالسينغال ورفاق جول بوكندي في نوفمبر 1990 بقسنطينة، فعلى طريقة النيجيري "جاي جاي أوكوشا" وعبثه المعروف بالمدافعين، صنع حراوي في ذلك اليوم الأفاعيل بالسنيغاليين على الرواق الأيسر، وكان طبيعيا جدا رؤية حراوي يراوغ مدافعين أو ثلاث سينغاليين بسهولة تامة. الأمر ذاته كرّره حراوي في الفاتح ديسمبر 1990 أمام المنتخب الانجليزي العتيد، حتى أنّ المدافع البريطاني الشهير "طوني أدامس" لقي صعوبات جمّة في إيقاف حراوي الذي سرعان ما خفت نجمه بطريقة غريبة في الأشهر اللاحقة. ويبدو أنّ حراوي دفع غاليا فاتورة ما شهده بيت الخضر من زوابع عشية مهزلة زيغنشور 1992، وشهدت تلك الدورة ظهورا فاترا لحراوي الذي لعب آخر دقائق المقابلة ضدّ فيلة كوت ديفوار (0 – 3) وأريد لحراوي أن يغادر بيت المحاربين من أضيق الأبواب، بعدما فضّل الثنائي إيغيل مزيان وعبد الرحمان مهداوي تجاهله في الشوط المؤدي إلى مونديال أمريكا 1994، رغم أنّ حراوي كان يقدم مستويات عالية مع نادي بورصا سبور التركي آنذاك. وقبل حراوي، بزع نجم "مليك زرقان" رئة وفاق سطيف في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، وكانت أداءات زرقان راقية محليا وإفريقيا بيد أنّ الاصابات و"حسابات غير معروفة" جعلته بعيدا عن الخضر، حتى بعد انتقاله في موسم 1992 – 1993 إلى تونس وما قدّمه للنجم الساحلي. ويبدو أنّ بروز النجم الفذ "الأخضر بلومي" تسبب بشكل غير مباشر في استبعاد عناصر لا تقل قيمة على منوال "عبد القادر مزياني" محرّك اتحاد الحراش، فضلا عن بوكار، بلخطوات، قطاي، مايدي، مكسي، بوطمين، وفي مقام خاص "نور الدين عجيسة" النجم السابق لوفاق سطيف، الذي قال في تصريحات سابقة أنّه دفع ثمن ما سماها "تكتلات اسبانيا" التي اضطرته لمغادرة الخضر. ويعد عجيسة المدعو "نصير" واحدا من كبار النجوم الذين صنعوا أمجاد وفاق سطيف، وشرّفوا الكرة الجزائرية في المحافل الدولية بعدما قاد نصير رفقة زرقان، بولحجيلات، سرار، الأخوان بن جاب الله الوفاق لنيل كأس إفريقيا للأندية البطلة في أمسية ديسمبرية باردة عام 1988، وافتكاكه الكأس الأفروآسيوية سنتان من بعد على حساب السد القطري. عجيسة صاحب الرقم 10 والرجل اليسرى السحرية تبقى بصماته مدوّنة بحروف من ذهب في تاريخ الكرة الجزائرية التي لم تستفد بالقدر الكافي منه سيما المنتخب الوطني، ويروي عجيسة أنه استدعي إلى التربص الذي سبق مونديال إسبانيا 1982 رفقة الحارس بوزيد شنيتي، لكنه لاحظ حمّى الانقسامات، فقفل راجعا إلى دياره. راحم وماتام .. جوهرتان في المهبّ شهدت الكرة الجزائرية أوائل وأواسط تسعينيات القرن الماضي، لمعان جوهرتين كرويتين بكل المقاييس، ويتعلق الأمر ب"محمد راحم" مهاجم اتحاد الحراش والفنان السطايفي "رضا ماتام". وكان لراحم حضورا قويا في تصفيات مونديال الأواسط 1989 رفقة آيت الطاهر وبن علي، قبل أن يدفع به الراحل عبد الحميد كرمالي في نهائيات كأس إفريقيا للأمم 1990 التي أتحف خلالها الجماهير بفنيات أبهرت أيضا النسور والأسود والفيلة والفراعنة. اللافت أنّ نجم راحم سرعان ما توارى رغم حداثة سنه (20 عاما)، رغم أنه كان مرشحا للالتحاق بنادي برشلونة الاسباني، وأكمل راحم ثلاث سنوات مع نادي القلب "اتحاد الحراش" ليغادره نحو المغرب، بعد الاقصاء المرّ للصفراء ضدّ سيمبا التانزاني في ربع نهائي كأس الكاف، ومرت السنوات اللاحقة لراحم متشابهة رغم عودته القوية في آخر التسعينيات مع اتحاد الحراش ثمّ نصر حسين داي، لكن جداوي مثله مثل سعدان، إيغيل والروماني بيغوليا تجاهلوا "بوبوي" الذي لم تكن له مسيرة دولية في مستوى إمكاناته. من جهته، سطع نجم الفنان السطايفي "رضا ماتام" الذي اشتهر بفنياته وإجادته ترويض الكرة مع ناديي وفاق سطيف وشباب بلوزداد، وهو ما جعل من ابن الهضاب النجم الأكثر شعبية في جزائر بحر التسعينيات إلى جانب بلال دزيري، كمال قاسي السعيد وموسى صايب. ماتام الذي أبدع على طريقته ضدّ الفراعنة في موقعتي جانفي وجويلية 1995، فضلا على الذي فعله في أدغال إفريقيا السوداء، سقط في التهميش، وجرى استبعاده عن الخضر بعد بضعة أشهر، تماما مثل فوزي موسوني، سيد أحمد زروقي، عبد القادر تلمساني، عامر بن علي صاحب أروع مقصية في تاريخ الكرة الجزائرية. وعلى المنوال ذاته، كان مصير "حميد مراكشي" الذي استبعد لأسباب مجهولة عن الخضر رغم تسجيله أربعة أهداف في مباراتي ليبيريا (4 – 1) وأوغندا (2 – 0) برسم ربيع وصيف عام 1999. عندما غرّد رمضان ومادوني خارج السرب وندرج في القائمة، المهاجم الديناميكي "عبد الرحمان رمضان" الذي نشط في ناديي نيم ولوهافر ما بين 1995 و1998، قبل أن تكون له تجربة ألمانية مع ناديي فريبورغ ثمّ هانزا روستوك امتدت إلى 2005، ورغم إمكانات رمضان وحسه التهديفي العالي، إلاّ أنّ لا فرقاني ولا مهداوي ولا حتى إيغيل وماجر اهتموا بخدماته. الملحوظة نفسها تنسحب على المدافع الأوسط "أحمد رضا مادوني" الذي اكتفى بشوط واحد مع الخضر ضدّ نيجيريا بوهران (2 – 5)، وقياسا بإمكانات مادوني وحمله ألوان الناديين الألمانيين الكبيرين "بروسيا دورتموند" و"بايرن ليفركوزن"، كان يمكن للجزائر أن تستفيد أكثر من هذه الموهبة. وكان العقد الأخير شاهدا على ضياع لاعبين لا يقلون مهارة، مثل الفنان "لزهر حاج عيسى"، الثعلب "يسهد بورحلي"، المدافع الأوسط "سمير بلوفة"، واللاعب المهاري "ناصر وضاح" الذي جرى نسف مسيرته مع الخضر بعد حادثته مع سعدان غداة اللقاء ضدّ الكاميرون في أولى مقابلة كأس إفريقيا للأمم 2004 بتونس، وتضم القائمة أيضا "مروان عبدوني" الذي اختير أحسن حارس برسم دورة تولون الدولية 2001، وكذا "كمال مريام" الذي أهدر مسيرة من ذهب مع المحاربين، فضلا عن "كريم بن يمينة" الهداف التاريخي لاتحاد برلين 87 هدفا بين 2005 و2011، الذي حُرم من أي استدعاء في أوج عطائه رغم حاجة هجوم الخضر آنذاك إلى قناص، واكتفى بن يمينة بلقاءين مع المحاربين الأول ضدّ اللوكسمبورغ (0 – 0) في نوفمبر 2010، والثاني ضدّ تانزانيا بدار السلام (1 – 1) في سبتمبر 2011. وفي مقام خاص، لا بدّ من الاقرار بأنّ لعنة الاصابة حرمت الكرة الجزائرية من لاعب خارق اسمه "مراد مغني" الذي كان بوسعه تقديم الكثير للخضر لولا عطب الركبة الذي يلاحقه منذ شتاء 2010. حتى لا يضيع عبدون، بن يمينة وواعلي كلام كثير لا يزال يدور حول لاعبين يتواجدون على حافة الضياع، على غرار "جمال عبدون" الذي يستمر تهميشه للعام الثالث على التوالي، في وقت يتواجد "رياض بودبوز" قاب قوسين أو أدنى منذ تغييبه غداة حادثة "الشيشة" في جانفي 2013. وهناك مواهب تحتاج إلى لفتة خاصة مثل المدافع الأوسط لاتحاد العاصمة "فاروق شافعي" ونظيره في شبيبة القبائل "جمال بن العمري"، فضلا عن المهاجمين الجزائريين في البوندسليغا "إيدير واعلي" وكذا "سفيان ين يمينة" (23 عاما) اللذين ينشطان رفقة محمد الأمين عودية في النادي الألماني "دينامو دريسدن".