تدعمت الساحة الثقافية الجزائرية بكتاب تحت عنوان "مالك بن نبي رجل حضارة: مسيرته وعطاؤه الفكري" للدكتور مولود عويمر، وقد قدم المحاور الرئيسية لهذا الإنجاز، خلال ندوة فكرية احتضنها المركز الثقافي الإسلامي مؤخرا· وتشتمل الدراسة على مسيرة حياة المفكر الجزائري الإنساني الذي خرج من دائرة جزائريته الى العالم الفسيح، ويتجلى ذلك من خلال القضايا المصيرية التي تهم العالم بأسره، والتي اطلق عليها اسم مشكلات الحضارة، يتساءل المؤلف من خلال بحثه هل يبقى فكر بن نبي ينظر إليه من زاوية الاعتزاز والافتخار بانتمائه الجزائري فقط، أم يعتمد كمرجع يبنى عليه التواصل الحضاري عبر الأجيال؟·· وقد استفادت ماليزيا من فكره بينما لم تستفد الجزائر من هذه العبقرية الفذة· وفي نفس السياق اقتبس الباحث من كتابه الصادر بالفرنسية مذكرات شاهد القرن، جانبا من حياته واحتكاكه بقراء الإصلاح منذ نعومه أظافره، بحيث تعرف على عدة شخصيات على غرار ابن باديس وأحمد توفيق المدني والعربي التبسي وغيرهم·· كما تأثر بالحركة الإصلاحية واهتم بالفكر الإنساني، فضلا عن انفتاحه على الثقافة الغربية، وتأثره بحرب الريف في المغرب بزعامة عبد الكريم الخطابي، وعلى هذا الأساس كان يكتب منشورات ويعلقها في المساجد، الى أن انتقل الى فرنسا وحاز على شهادة مهندس في الكهرباء (1935)، لكن هذا لم يمنعه من الاحتكاك بمدرسة الاستشراق، حيث نهل منها توجهه السياسي والثقافي والفكري في فرنسا، بعدها هاجر الى مصر (1963-1956)، حيث شكلت هذه الفترة نقطة تحول كبرى في حياته، إذ ربط علاقات مع مفكري عرب كمحمود شاكر وطه حسين أثمرت عدة إصدارات الظاهرة القرآنية وشروط النهضة وبلاد مجتمع، ثم رجع بعدها الى الجزائر وعين مديرا للتعليم العالي، ونظرا للظروف السائدة آنذاك استقال من المنصب ليتفرغ للعمل الفكري، حيث فتح بيته للطلبة والمثقفين الجزائريين والمشارقة، وعالج عدة قضايا كانت مطروحة في ذلك الوقت كالحرية والديمقراطية ومستقبل الجزائر· كما ركز الكاتب من خلال دراسته على فكر مالك بن نبي، وقدم اهتمامه من خلال مشكلات الحضارة وشروط النهضة منذ أن ولج عالم الكتابة، ودعا الى التحرر من عقدة القابلية للاستعمار، في الوقت الذي طرح فيه الآخرون مشكلة التحرر من الاستعمار، عملا بقوله تعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم·· مركزا على ثلاثة عوامل يراها أساسية: الإنسان، الزمن والتراب، التي تنبثق منها الحضارة· أما الشق التاريخي من الكتاب، فطرحه الباحث على شاكلة تساؤلات كنظرة بن نبي إلى التاريخ الإسلامي، ونظرته إلى الغرب الذي أسعد البشرية بفضل التكنولوجيا التي يملكها· وفي ما يخص الجانب العاطفي في مالك بن نبي، فيذكر أنه ليس صنما فكريا، فقد قدم صور مكبرة عن رحلته إلى الأراضي المقدسة وأدائه لفريضة الحج··· أما الشق الأخير من الكتاب، فضمنه نصوصا من أفكار بن نبي الخيرة، التي لم يسبق تناولها في الكتابات المنشورة من قبل· *