ما حققه الرجاء البيضاوي المغربي في مونديال الأندية ببلوغه المباراة النهائية المرتقبة هذا السبت، يعدّ إنجازاً فريداً من نوعه بالنظر إلى "الكارثية" التي كانت تلاحق أشبال فوزي البنزرتي قبل أسبوعين من انطلاق العرس العالمي وإلى الخصوم التي واجهها الرجاويون حتى الآن، على نحو أدهش أشدّ المتفائلين بمردود النسور الخضر. الرجاء البيضاوي صاحب السجل الناصع من الألقاب محليا وقاريا بينها ثلاثة كؤوس في مسابقة دوري أبطال أفريقيا، دخل البطولة في حالة مزرية بعد فشله في الفوز ب 4 مباريات متتالية محلية خسر خلالها نهائي الكأس المحلية وأقيل مدرّبه محمد فاخر الذي يعود إليه الفضل بوجوده في المونديال كونه قاده في أول موسم له معه إلى لقب الدوري المحلي . إلاّ أنّ "النسور الخضر" مثلما يُطلق عليهم في المغرب، أبلوا البلاء الحسن في المونديال "المصغّر" أو ما يعرف ب"الموندياليتو" ونالوا احترام وتقدير وإشادات العالم بأسره بفضل المستوى الرفيع الذي قدّموه خلال هذه البطولة، فبعد أن أزاحوا أوكلاند سيتي النيوزيلندي صاحب الخبرة في العرس العالمي (5 مشاركات) بالفوز عليه (2-1)، وقفوا ندّاً عنيداً أمام مونتيري المكسيكي بطل الكونكاكاف في الأعوام الثلاثة الأخيرة وصاحب المركز الثالث في مونديال 2012، ثمّ أطاحوا بأتليتيكو مينيرو البرازيلي بطل أميركا الجنوبية بنجومه المحنّكين رونالدينيو وجو وجوسوي. وتأكيداً لتألّق الرجاء، فقد اختير لاعبوه الأفضل في المباريات الثلاث التي خاضوها حتى الآن، وهم القائد محسن متولّي في المباراة الأولى وحارس المرمى خالد العسكري في الثانية والمهاجم محسن ياجور في الثالثة. إحياء الأرشيف الخالد كما أعاد الرجاء البيضاوي إلى الأذهان تألق كرة القدم المغربية في مونديال 1986 عندما بلغ "أسود الأطلس" الدور الثاني كأول منتخب عربي وإفريقي يحقّق هذا الإنجاز قبل أن يخسر زملاء الدولمي أمام ألمانيا في الدور الثاني بهدف قاتل سجّله لوثار ماتيوس في الدقيقة 88، وكذلك إنجاز مونديال الشباب عام 2005 في هولندا عندما بلغوا دور الأربعة قبل أن ينهوه في المركز الرابع بخسارة أمام البرازيل (1-2). ودخل الرجاء البيضاوي التاريخ من بابه الواسع وبات أول فريق عربي يبلغ المباراة النهائية للعرس العالمي علماً بأنّه يخوض غمارها للمرة الثانية فقط بعد الأولى في النسخة الأولى عام 2000 في البرازيل عندما مُني بثلاث هزائم متتالية أمام كورينثيانز البرازيلي وريال مدريد الإسباني والنصر السعودي. وأصبح الرجاء البيضاوي ثاني فريق يخرق السيطرة الأميركية-الأوروبية على المباراة النهائية للعرس العالمي، وثاني فريق من القارة السمراء بالتحديد بعد مازيمبي الكونغولي الذي أزاح فريقاً برازيلياً في نسخة عام 2010 هو إنترناسيونال بورتو أليغري (2-0)، قبل أن يخسر أمام إنتر ميلان الإيطالي بثلاثية نظيفة في المباراة النهائية. ويُعدّ الفوز على أتليتيكو مينيرو، الثالث على التوالي للرجاء البيضاوي في 6 مباريات خاضها في مشاركتين ضمن البطولة حتى الآن، كما نجح في معادلة الرقم القياسي في عدد الانتصارات العربية التي حقّقها الأهلي المصري بطل أفريقيا في 12 مباراة و 5 مشاركات. مغامرة مظفّرة كان للتعاقد مع "عاشق التحديات" المدرب التونسي فوزي البنزرتي قبل 4 أيام من انطلاق البطولة "مفعول السحر والعودة إلى سكة الانتصارات وعلى الصعيد العالمي" مثلما جاء على لسان المهاجم محسن ياجور الذي قال: "كنّا في حالة يُرثى لها، كنّا قاب قوسين أو أدنى من فقدان الثقة في أنفسنا خصوصاً وأنّنا كنّا مقبلين على بطولة عالمية كانت تحدونا الرغبة بتحقيق نتائج أفضل من تلك التي حقّقناها فيها ضمن النسخة الأولى عام 2000 في البرازيل". وأضاف مهاجم الرجاء: "خبرة البنزرتي كان لها مفعول السحر ونجح في إعادة الروح والتفاؤل إلى صفوف اللاعبين مع منحنا حرية التصرف على أرضية الملعب دون نسيان الخطط التكتيكية التي يضعها لنا في مواجهة الفرق المنافسة، وهو ما انعكس إيجاباً على مستوانا ونتائجنا". وتابع: "العروض التي قدّمناها خلال البطولة جعلت معنوياتنا ترتفع كثيراً بالإضافة إلى المساندة الجماهيرية اللامحدودة التي تزيد من حماسنا وإصرارنا على تشريف كرة القدم المغربية والعربية". وعن موقعة النهائي أمام بايرن ميونيخ الألماني ختم ياجور: "يجب أن نثق في إمكاناتنا أمام بايرن، فكلّ شيء ممكن في كرة القدم، ما يجب أن نتحلّى به هو العزيمة القويّة". علّق البنزرتي على إنجازات فريقه قائلاً: "كنت أؤمن بحظوظي وحظوظ فريقي عندما تسلّمت المهمّة، فالرجاء البيضاوي فريق كبير ويملك لاعبين كبار، وبالتالي لم يكن لديّ أيّ شك في قدرته على تقديم عروض جيّدة وبلوغ المباراة النهائية، وأشكر الرجاء البيضاوي على منحي فرصة التواجد معه هنا في العرس العالمي". وتابع البنزرتي: "حتى أكون صريحاً، لم أكن أفكّر في المباراة النهائية لأنّني بطبعي أخوض كلّ مباراة على حدة ولا أستبق الأحداث، ركّزنا على المباراة الأولى وكسبناها والأمر ذاته تكرّر في الثانية، فيما كانت الثالثة أقوى ودخلناها بنفس العزيمة والطموح وتمكنّا من الفوز أيضاً". وأشار البنزرتي إلى أنّ هدفه هو إسعاد الجماهير التي يعود إليها الفضل أيضاً في هذا الإنجاز، وقال: "لا أفكّر في نفسي. أفكّر في الجماهير التي تبذل الغالي والنفيس من أجل مساندة الفريق". وأكّد المدرب السابق لنسور قرطاج: "ما حقّقناه شرف للكرة المغربية التي لم تعش مثل هذه الانتصارات منذ فترة طويلة. نحن قادرون على تحقيق الأفضل، فتسجيل ثلاثة أهداف في مرمى فريق عريق مثل أتليتيكو مينيرو إنجاز كبير". وكشف البنزرتي أنّ السّر في تألق فريقه هو "التركيز والمعنويات القوية والتكتل والتضامن. قدّم اللاعبون الكثير وأنا سعيد لما بذلوه وتأهلهم إلى المباراة النهائية هو إنجاز رائع علماً بأنّنا خضنا 3 مباريات قوية في مدى 8 أيام فقط". بخصوص المباراة النهائية أمام بايرن ميونيخ، قال البنزرتي: "البايرن فريق كبير ليس مثل الفرق الأخرى ويشرف على تدريبه مدرب كبير (الإسباني جوسيب غوارديولا) الذي أصبحت بصماته واضحة على أداء الفريق البافاري وبات يلعب بنفس الأسلوب تقريباً الذي كان ينهجه عندما كان يشرف على برشلونة. سنبذل كلّ ما في وسعنا لإيقاف العملاق صاحب الرباعية الموسم الماضي، فالألمان لهم شخصيتهم ويلعبون بواقعية وقتالية، سنحاول حرمانهم من تهديد مرمانا طول الوقت وأن نزرع الشك في أنفسهم، ودائماً لدينا الثقة في أنفسنا وفي لاعبينا".