تعرف عيادات الحجامة انتشارا واسعا خلال السنوات الأخيرة، بعد أن كانت تمثل تجارة رابحة لدى ألكثير من ممتهنيها الذين جعلوا منها حرفة بامتياز، دون معرفة ألكثيرين بقواعدها وأسسها، وبغية منا لمعرفة مدى إقبال الجزائريين على هذا النوع من الطب البديل بعد أن رصدنا إقبالا منقطع النظير على العلاج بالإبر الصينية، توجهنا إلى إحدى العيادات في قلب العاصمة، والتي يشرف عليها طبيب مختص في الحجامة. 30 حالة تداوي بالحجامة يوميا في عيادة واحدة استقبلنا "رابح طباوي" وهو مختص في العلاج بالحجامة وباحث في الطب البديل منذ 14 سنة، ومتحصل على دبلوم في التنمية البشرية في مصر، ونحن نهمّ بالدخول إلى قاعة العلاج لاحظنا تواجد الأدوات الطبية على الرفوف، وقد انبعثت رائحة المحلول الطبي في أرجاء العيادة وكأنك تدخل إحدى عيادات الطب الغربي، وقد خُصصت قاعتان للعلاج إحداهما للنساء والثانية للرجال، دخلنا القاعة الرجالية، وحضرنا جلسة العلاج، وقد كان "رابح" يشرح لنا العملية وهو يهمّ بوضع ألكؤوس على رجل أحد المرضى المصاب بعرق النسا (عرق لاسا)، وقال إن ألكؤوس توضع أولا لجذب الشوائب الدموية لبضع دقائق، حتى يظهر الاحتقان الدموي وبعدها تُنزع ويطهر المكان بمادة مطهرة عبارة عن محلول طبي، ثم نقوم بإحداث جروح صغيرة "شلطات" بالمٍشرط الطبي، وبعدها توضع ألكؤوس مرة ثانية لاستخلاص الدم الهرم وهو عبارة عن كريات وخلايا ميتة ومشوّهة، مؤكدا أن ألكؤوس يتم رميها بعد استعمالها مباشرة، حيث جلبت الممرضة سلة نفايات رُميت فيها ألكؤوس المليئة بالدم، وفي هذه الأثناء قمنا بسؤال المريض "سمير. ب" البالغ من العمر 38 عن إحساسه، فقال إنه لا يحس بالألم أبدا بل يشعر بتحسن كبير بعد القيام بالعملية، قائلا إنه تعوّد على العملية التي يجريها مرة كل شهر، مؤكدا أن سعر الجلسة الذي يقدر ب500 دج خدمه كثيرا، وهو نفس رأي "علي ألكريديان" البالغ من العمر 53 سنة، مصاب بالدوالي كان بانتظار دوره، مضيفا أنها تتم بطريقة وقائية، وعن عدد الحالات التي تستقبلها العيادة يوميا قال "رابح" إنها تبلغ حوالي 30 حالة يوميا من مختلف الأعمار ومن كلا الجنسين.
الحجامة مسكّن طبيعي للآلام وأضاف أنها عملية طبيعية لها أسس علمية، مؤكدا أنها تساعد كثيرا في تسكين الآلام، والسر وراء ذلك هو استخلاص الجسم لمادة "البروستاغلاندين" التي تخرج من الخلية مشيرا إلى أنها أثبتت فعاليتها في علاج جميع آلام الجسم بما فيهم آلام الشقيقة، آلام العمود الفقري، عرق النسا، الركبتين والآلام المبهمة، كما يقوم الجهاز العصبي بتنبيه الجسم لإفراز مادة "الاندورفين" وهي مادة فعالة جدا في تسكين الآلام وتهدئة الأعصاب يفرزها الجسم طبيعيا وهي تشبه "المورفين". كما أكد أن الحجامة تساعد كذلك في تقوية جهاز المناعة، في حالة الإصابة بأمراض البرد كالرشح والأنفلونزا وبعض الالتهابات ناهيك عن الدماميل وتقوية المناعة عند الإنسان كما تصحح الأخطاء المناعية في الجسم مثل مرض "بهجت" aphtes les، حيث تساعد الحجامة على الشفاء السريع منه وهو ما لم يتمكن الطب الغربي من فعله. وكشف محدثنا وهو بصدد وضع كؤوس الحجامة على ركبتي أحد المرضى المصابين بالدوالي، أن الحجامة تساهم كثيرا في تحسين أداء الدورة الدموية فيما يخص أمراض دوالي الساقين، ارتفاع الضغط الدموي، اضطرابات الدورة الشهرية عند المرأة، عدم التركيز وضعف الذاكرة، وهو ما أكدته إحدى المريضات التي تعاني أيضا من الدوالي، قائلة إن كل آلامها تختفي بعد أن تخضع لعملية الحجامة.
أيَّام السكون أفضل أيام الحجامة كما كشف لنا الحجام "رابح" أن المدة التي تتراوح من 17 إلى 27 من الشهر القمري تعتبر من أفضل الأيام التي تستعمل فيها الحجامة، وذلك لارتباط القمر بكوكب الأرض، فأيام 13 و14 و15 من الشهر القمري يكتمل فيها القمر ويصبح بدراً وتُسمى بالأيام البيض، فيقوم القمر فيها بفعل الجاذبية بتحريك السوائل على وجه ألكرة الأرضية وسوائل في ألكائنات الحية فيهيج الدم في تلك الأيام الثلاثة وترتفع المحيطات ويكثر المد والجزر، ويرمي الدم بالشوائب في الأماكن المخصصة، لذا يجب الإسراع في نزعها حتى لا يعودوا إلى الجسم مرة أخرى ويستحسن القيام بذلك خلال الأيام الممتدة من 17 إلى 27 والتي تعرف بأيام السكون.
أطباء مختصون يعترفون بنجاعتها وقد أرجع الدكتور "نصر الدين جداوي" مختص في جراحة العظام والمفاصل -الذي التقينا به في العيادة- عدم العمل بالحجامة كثيرا في تقنيات الطب في بلادنا، لتتبع المنظومة الصحية في الجزائر خطى نظيرتها الأوربية والعمل وفق منهجها، لذا يعتبر ألكثير من الأطباء الجزائريين المتشبعين بالثقافة الغربية الحجامة بمثابة "الطب البدائي"، دون محاولتهم دراسة الطب القديم بعكس أمريكا، مؤكدا أن المرضى الجزائريين الذين يلجؤون إليها يضعون فيها ثقة كبيرة بسبب الوازع الديني الذي يتمتع به ألكثيرون مقتدين بسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأضاف الدكتور"جداوي" أنه لاحظ فعاليتها على العديد من المرضى الذين يقصدون عيادته بعد القيام بها، خاصة المصابين منهم بمرض الالتهابات الغضرفية، إذ تحصلوا على نتائج إيجابية مشجعة جدا.