المجاهد محمد حاج لعروسي رماه البوليس الفرنسي في نهر السين ونجا بأعجوبة! شكلت نجاته من الموت المحقق، بعد أن رماه البوليس السري الفرنسي في مياه نهر السين بباريس، ليلة 7/10/1961، قصة مثيرة، ولاتزال تصنع الحدث، من ذكرى إلى أخرى، قصة بطلها المجاهد محمد حاج لعروسي 72 سنة، بأولاد بديرة المسيلة، الذي كشف للشروق اليومي بالموازاة بأن وضعيته لا تزال عالقة حتى اليوم، ووثائقه لم تسو بعد، وتبعا لذلك، فضلنا نقل تفاصيلها للرأي العام وإلى المعنيين للنظر فيها. تقلد المسؤولية.. والشهيد لخضر عبادو من رفقائه لكن ورغم كل سنوات النسيان، والملفات والوثائق التي قدمها للوزارة المعنية، بدا "عمي محمد"، واحدا من الرجال الصناديد الصابرين الغيورين على الوطن، مجاهد تحمل المسؤولية في قلب فرنسا (الولاية 7) كما خططت بذلك الثورة المباركة. كان ضمن فرقة أعطيت لها تسمية فرقة التدخل السريع، تتكون من 350 مجاهد من بين الرجال الذين شاركوا فيها لخضر عبادو من بسكرة ويحياوي عبد القادر من سطيف ولقصوري محمد بسكرة وميهوبي علاوة المسيلة وساكو العيد من مدينة سيدي عيسى، اجتماعاتهم يقول الشيخ محمد حاج لعروسي كانت سرية وتنقل من مكان إلى آخر عبر ضواحي العاصمة الفرنسية باريس، ورغم ذلك كان البوليس السري الفرنسي، يلاحقهم في كل لحظة، حيث في أحد الاجتماعات، دخلت عليهم الشرطة، مستقلة شاحنة لنقل الطماطم، لكن خابت مداهمتها كون أن الجميع تظاهروا بأنهم التقوا للسهر والسمر ولا شيء يدل على الاجتماع! مشيرا هنا أنهم كانوا يطلقون على سيارة الشرطة ب"طاكسي الغرام" وهي كلمة السر، وتبين يضيف محدثنا أن انكشاف أمر الاجتماع، قام به أحد الخونة. فتخلصت منه الجبهة، مؤكدا بأن نادي بوسط باريس، كان يعرف باسم "أرجو نكاي"، هو المكان المفضل للإلتقاء بالمناضلين، والتخطيط للعمليات. حاصرهما البوليس في الجسر.. فقال له صاحبه لا تحزن إن الله معنا وعن أحداث 17/10/1961 أوضح، بأن بوادرها سبقت هذا التاريخ، وتداعياتها استمرت إلى بعد الثامن عشر من أكتوبر، رغم سقوط عشرات الشهداء على يد البوليس الفرنسي، على اعتبار أن المظاهرات كانت سلمية، أما قصته فكانت بعد التاريخ المذكور، حيث في ليلة 18/10/1961 كان رفقة الشهيد لخضر عبادو، لكن لحظة عبورهم الجسر على نهر السين، اعترضت طريقهم "طاكسي الغرام" وأشعلت في اتجاههم الضوء وعلما أنها النهاية والشهادة.. فألقت عليهما الشرطة السرية القبض وقيّدت رفيقه بحبل ورمته في النهر، ثم جاء الدور عليه، لكن شاء القدر أنه لم يقيّد، لأن عشرات الجزائريين كانوا قادمين من أحد المدخلين للجسر في مسيرة حاشدة، فضرب وسط الرأس (آثار الجرح الكبير لاتزال واضحة) ورمي هو الآخر من قبل البوليس السري الفرنسي في عرض مياه نهر السين، محدثنا وفي هذه النقطة، أوضح بأن صديقه الشهيد قبل أن يلقى عليهما القبض، تلا عليه قول الله تعالى: »فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون«. استشهد رفيقه.. ضرب على رأسه ورُمي في نهر السين الشيخ محمد، أكد أنه عندما ألقي به في مياه نهر السين الباردة، فقد الوعي، لكنه أحسّ وكأنه يفترش الحرير، وعندما استرجع وعيه، حاول الخروج لكنه لم يفلح في تحديد الاتجاه الصحيح، والأكثر من ذلك وجد نفسه وجها لوجه مع البوليس، لكن قدرة الله كانت أعلى وأقوى، إذ سرعان ما اختبأ تحت الجسر، تاركا رأسه فقط يطل فوق الماء، وكله خوفا من أن ينكشف أمره على اعتبار أنه كان يسمع أصوات البوليس من الأعلى، واستمر على هذه الحال من الساعة 8 ليلا إلى 6 صباحا، حيث تمكن من الخروج، مقرّرا القيام بعملية فدائية في المصنع الذي كان يعمل به "إركسون". حيّاه عمال المصنع.. واحتجوا من أجله وقبل الدخول، تناول فنجان قهوة، في حالة يرثى لها جالبا إليه الأنظار، لأن رأسه كان ينزف دما وأثوابه ملطخة بالطين والدماء. وعلى هذه الوضعية، دخل المصنع فاهتمت بمنظره العجوز التي كانت عند الباب وكانت كما قال تعطف عليهم كثيرا، وفجأة، تجمّع من حوله عشرات العمال، حيث عددهم في المصنع يقارب 750 عامل، وعندما شاهده صاحب المعمل قال له: "أعرف أنك تخدم معهم منذ مدة" في إشارة منه للثورة. الشيخ محمد، قال لنا إنه بمجرّد سماعه لذلك رد عليه بالقول: "راني نخدم من أجل بلادي ولست سراقا". وكتبت عنه الصحافة الفرنسية وصوّرته! وحسبه أنه تلقى دعما من شاب فرنسي، ينشط معه في النقابة الذي خاطب صاحب المعمل "أنت أيضا تعمل في منظمة الجيش السري"! وفوق كل هذا تدخل رئيس النقابة المعروف باسم "مميل" الذي أصدر بيانا يطلب فيه من جميع العمال الإحتجاج والتوقف عن العمل لمدة 15 ساعة تضامنا مع محمد حاج لعروسي، الذي تكفل به يقول هذا الأخير فيما بعد أشخاص كانوا محسوبين على التيار الشيوعي، حيث حمّلوه إلى مستشفى "أرجونكاي" ضاحية بباريس وثمّة أعطيت له الأدوية اللازمة مع حقنة. وتفاجأ بقدوم الصحافة المكتوبة والمرئية، لنقل تصريحاته وبعض الصور له، كونه نجا من الأحداث والموت المحقق.. وأصدرت في شأنه عدّة مناشير وبيانات تتضامن معه، وبالتوازي كانت الشرطة السرية تفتش عنه من مكان إلى آخر إلا أنها لم تعثر عليه، وفي تلك الأثناء رتّب له لقاء مع رئيس البلدية للضاحية التي هرب إليها واعترف له أي "المير"، بأنه ضد الحكم الديغولي. أضرب عن الطعام.. فقالوا له أنت أخ بن بلة! وفي خضم الحديث والحقائق التي كان يبينها، أشار إلى أن القيادة، وجرّاء متابعات البوليس له، أمرت بنقله إلى أحد الجزر في البحر على الحدود مع الإنجليز، وتعرف كما أوضح - بميرة فيلا -، بقي فيها مدة لكنه شعر بالضيق، فطالب بنقله إلى مكان آخر، فحوّل إلى مستشفى يهتم بالأمراض العقلية والنفسية وهذا لإبعاد أنظار البوليس عنه، إلا أنه لم يقبل هذه الوضعية وشنّ إضرابا عن الطعام، حتى قيل له أنت أخ لبن بلة، كون أن بن بلة كان في تلك الأثناء يشن إضرابا عن الطعام. وتمكن من الخروج من المستشفى بعد 25 يوما، حيث توجه إلى منطقة تعرف باسم "كورماي" وهناك سويت وثائقه وفي فيفري 1962 عاد إلى أرض الوطن. "عمي محمد: هذا في سبيل الله ثم الوطن.. وانتظر تدخل الوزير للنظر" لكن من المفارقات العجيبة، أن الشيخ محمد حاج لعروسي المولود بتاريخ 1935، لايزال يبحث عن من يمدّه يد المساعدة لتسوية وضعيته ووثائقه، التي لم تُسوّ رغم مرور على ما عاشه من أحداث 46 سنة، وعن سؤال يتعلق بالأسباب التي وقفت وراء ذلك، أشار إلى أنه أرسل عديدا من الملفات إلى وزارة المجاهدين وحمل بعضها بنفسه إلى العاصمة في الثمانينيات وآخرها في 10/06/1998 تحت رقم 184، وفي 1993 وهو التاريخ الذي شاء له القدر أن يلتقي فيه بحسين آيت احمد، الذي شدّ على يده وعرفه بالمكاتب المعنية بشؤون المجاهدين داخل الوزارة. وحسبه، أن الرجل وعده بحل مشكلته، لكن الظروف حالت دون ذلك، وبقيت مشكلة عمي محمد عالقة حتى اليوم، مع أنه يملك شهادة العضوية في جيش التحرير الوطني تحت رقم 495/174 الذي يشهد بأنه عمل بدون انقطاع إلى غاية 1962. محدثنا وفي معرض حديثه للشروق اليومي، أكد في هذه النقطة بالذات أن لديه معلومات تفيد بأن هناك تشابه في الأسماء، وقد حاول تصحيح الأمر، لكنه لم يتمكن، ونتيجة لذلك، ناشد وزير المجاهدين بالتدخل للنظر في قضيته. تحقيق: الطيب بوداود