من الصدف المؤلمة أننا اتجهنا إلى سوق نعمان بولاية أم البواقي، لتقصي حالة عائلة عناب، التي ربط فيها الوالد ثلاثة من أبنائه بالسلاسل، فوجدنا الحال لم يتغير، لنكتشف في نفس البلدة حالة أخرى، لعائلة شعير بسوق نعمان، وهي العائلة التي يشتغل فيها رب الأسرة راعي أغنام موسمي، لصالح الموالين، جاء إلى البلدة واستأجر كوخا خارج الزمن، بعد أن أجبره مرض ابنيه الوحيدين حسني وسعدي على بيع المنزل العائلي في منطقة العالية الشمالية ببسكرة لأجل علاجهما من مرض عقلي جعلهما متوحشين لا يمكن التعامل معها إلا بربطهما بالسلاسل الحديدية. يقول الوالد ببراءة الرعاة وببكائهم أيضا: كان عام 1996 الأسعد والأشقى في حياتي، فقد رزقت بحسني وبعد عام آخر بسعدي، كنت أنتظر الحسنى والسعد بهما ليكونّا سندا لي عندما يبلغا أشدهما، غير أن السنوات توالت ولا شيء أوْحى بأن هذين الصغيرين سيشتد عضدهما، كما هو الحال لدى كل أقرانهما، تزايدت مصاريف العلاج، فخنقتني، قرّرت بيع المنزل العائلي ببسكرة فداء لعلاج ابناي، قد لا تصدقون، ابني حسني المربوط دائما بالحديد نطق مرة في سن التاسعة وصاح بابا ثم خرس للأبد. أما سعدي فيهيم مثل الحيوانات البرية في الأحراش ثم يعود إلى البيت طالبا الطعام فقط، ومرة ينام في الكوخ وأخرى خارجه، والطقس سيان عنده بين المطر والثلج والحر، ويجهش الراعي الأمين لماشية غيره بالبكاء وأحيانا بالعويل، وبحكم طبيعة هذا العمل الذي يساير المناخ أيضا في رعي الغنم، فقد تنقلت العائلة من مكان إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، وهي الآن منذ خمس سنوات تستأجر كوخا في سوق نعمان، ولأن رحلة العلاج توقفت، فقد ساءت حال الابنين أكثر فأكثر وصار أحدهما معاقا ذهنيا بنسبة حددت بمائة بالمائة، أضيفت لإعاقته الحركية واضطرت الظروف القاسية لهاته العائلة أن تقيّد ابنها بالسلاسل بعد أن عجزت عن علاجه، ومخافة أن يخرج من المنزل فهو لن يعود ويضرب الناس، بحكم حالته العقلية السيئة. بينما نال الآخر بعضا من حريته مقيدا فترة وحُرا أخرى، في انتظار يد رحيمة تمتد لانتشال هاته العائلة من حالتها المأساوية.