وضعت أو تكاد غزوة غزة أوزارها، بعد شهر من القصف والتدمير والتقتيل، سمعنا خلالها كل أصوات الأنين والصفير والانفجارات وحناجر أبالسة الجن التي أججت النار وزادتها اندلاعا، وللأسف لم نسمع أصوات من كانوا على مدار سنوات يقدمون أنفسهم على أنهم دعاة وعلماء، ويخوضون في كل شيء، وبصموا تواجدهم في ما يسمى الثورات العربية، خاصة عندما بلغت شظايا الربيع منطقة سوريا، حيث تهاطلت فتاوى الجهاد بشكل لم يحدث أبدا، وصار القتال في سوريا هو الحل لكل مشاكل المسلمين حسب الدعاة وغالبية العلماء، وإذا كان كل الدعاة من دون استثناء قد غرّدوا في قضية غزة وبعثوا رسائل وألقوا كلمات، فإن ما قاموا به كان شاحبا جدا إلى درجة أن الكثيرين لم يسمعوا عنها، والذين استمعوا إليها لم يلتفتوا إلى هاته الصيحات المحتشمة وسط ضجيج القتل، بل إن بعض الفنانات قلن أكثر من بعض الدعاة. إجماع على انتقاد السيسي بسبب معبر رفح برغم الصوت المبحوح، لمختلف الدعاة حتى لا نقول ما يشبه التواطؤ مع العدوان، فإن غالبية الدعاة من غير المصريين، وجهوا انتقاداتهم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولكنها انتقادات لم تزد عن الطلبات باستثناء ما قام به الداعية الكويتي الدكتور طارق السويدان، الذي هاجم السيسي بسبب غلقه معبر رفح، وعلّق قائلا.. إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ثم تساءل في تغريدة أخرى عن الذين اتهموه بعداوته لمصر وطلبوا منه بأن لا يهاجم مصر، لأنه انتقد عبد الفتاح السيسي فرّد بأنه لأول مرة يعرف بأن السيسي العبد الضعيف هو مصر العظيمة، وكان الداعية طارق السويدان الذي أقاله منذ شهور الوليد بن طلال من إدارة قناة الرسالة لأسباب سياسية بحتة، قد تساءل كيف لقناة العربية أن تسمي أطفال ونساء غزة الذي قضوا نحبهم جراء العدوان الصهيوني على قطاع غزة بالقتلى وليس بالشهداء، وثمّن ما تقوم به قناة الجزيرة، كما طالب الدكتور محمد العريفي من السلطات المصرية فتح معبر رفح على الأقل للأخوة الإنسانية واستجابة لنداءات من العالم الغربي وليس الإسلامي، وسار على نهجه الداعية السعودي عبد العزيز الراجحي الذي اعتبر الصمت جريمة، ودعا مصر إلى فتح معبر رفح، ولكنه كان مقلا جدا مقارنة بظهوره في قضايا أخرى، وبقليل من الضجيج عكس أحداث أخرى شهدتها المنطقة، مثل ما حدث في ليبيا وسوريا بالخصوص، تميز الدكتور محمد العريفي بإطلاق الأدعية فكان يدعو بأن يمزق الله كل من يعين الصهاينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وحتى الدكتور راتب النابلسي الذي تأخر كثيرا وتفادى أيضا الحديث عن الأزمة السورية التي هزت وطنه بعد أن اختلط حابلها بنابلها، اكتفى بالبكائيات التي لم تقدم لأهل غزة شيئا أمام الفعل الصهيوني.
دعاة تحوّلوا إلى ألغاز محيرة
عمرو خالد الذي قيل منذ عشر سنوات بأنه فكر جديد، قد يكون حل فعليا في مكان دعاة العمائم، الذين أدخلوا الدين في ما يشبه الدجل، صار همّه الوحيد أن يذكّر الناس بأنه دكتور، ولم يبق في تغريداته الجماعية عمرو خالد، وإنما الدكتور عمرو خالد أصبح لغزا حقيقيا، فكما فضل الصمت في العدوان على لبنان في صائفة 2006، فضل الصمت أيضا ولم يزد الوقت الذي خصصه لغزة عن الدقيقتين طوال شهر كامل من الدمار، في كلمة جافة قيلت في كل مكان وتكرّرت في كل بلاد العالم، حيث وجه نداءه للمصريين بالخصوص، وقال لهم بأن ما حدث في غزة، هو فرصة لأجل أن يتوحد المسيحيون والمسلمون والعلمانيون والمتشددون الإسلاميون، واقترح على المنظمات والأحزاب بكل أطيافها في مصر بأن توحّد خطابها وتطلب من العدو بأن يوقف عدوانه على أطفالنا فورا، وكرّر مفردات من قاموس كان يستعمله جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، مثل العدوان الغاشم والتنديد والضمير العالمي والاستكبار، مما جعل كل الذين يستمعون لهاته الكلمة التي قال صاحبها بأنها هامة ومصيرية، يصفونها باللاشيء مقارنة بالأشياء التي حدثت في غزة، أما صديقه الداعية اليمني حبيب الجفري الذي سبق له وأن أثار ضجة بزيارته للقدس في الأشهر الماضية، فقد اهتم طوال أيام العدوان بالرد على الملحدين في العالم، وليس على الصهاينة، فكان في وضعية تسلل كما كان دائما، والميزة التي اتحد من حولها الدعاة من المشاهير ومن الذين أرادوا امتطاء أزمة غزة للظهور، هو عدم التشخيص في الحديث بذكر الجناة والخونة بأسمائهم، والتركيز على العموميات، وتكرار كلمة الوحدة من دون تقديم أدوات الوحدة، وحديث عن الوقوف إلى جانب أهلنا في غزة، دون تقديم طرق الوقوف إلى جانبهم، فكان كلامهم عمومي لا يختلف عن تنديد رؤساء وملوك العرب في الحروب الكلاسيكية السابقة، ضمن لغة خشب ورثها بعض الدعاة عن بعض الزعماء.