لم تعد أمريكا وحدها مقتنعة بأنها (رب العالم) إذا قالت للحكام وللشعوب كونوا.. كانوا، ولم يعد حلفاؤها وحدهم مقتنعون بذلك. فقد دخل القائمة الكثير من ساسة العالم الثالث ومنهم حتى من الجزائريين، والحق يقال أن الإستعمار الأمريكي الجديد يختلف فعلا عن الإستعمار القديم، لأنه استعمار تحت الطلب، فكما استقبل بعض الأفغان وبعض العراقيين الدبابات الأمريكية، هناك من صار يحلم، بل ويسعى لأن يشاهد هاته الدبابات تجوب شوارع العاصمة ووهران وقسنطينة وتيزي وزو، فما كتبه الدكتور سعيد سعدي في جريدة (نيويورك بوست) هو نوع جديد من المازوشية السياسية يؤكد أن بعض الساسة عندنا ليسوا ضد الإسلاميين أو الوطنيين، وليسوا لائكيين أو علمانيين، كما كنا نتصور، وإما مع الإستعمار القوي الذي يساعدهم على تبوأ مكانة تشبه (جلال الطلباني) في العراق أو (كرزاي) في أفغانستان، وليغرق بعد ذلك بلدهم في طوفان الفتنة. إختيار سعيد سعدي أمريكا أكد يأسه من فرنسا التي يدعو رئيسها الجديد إلى إتحاد متوسطي سيجمع الجزائر بتركيا وإسرائيل، بينما تدعو أمريكا إلى رسم خارطة شرق أوسط جديد قد تمتد إلى دول المغرب العربي على شاكلة ما حصل في العراق، لأجل ذلك جاء (الحج الأكبر) إلى الولاياتالمتحدة، فهي الوحيدة التي بإمكانها حرق الصناديق وشنق الرؤساء ووضع ساسة الورق في القصور وسحق الشعوب نهائيا، وهو ا لإنشغال الوحيد للدكتور سعدي الذي لا همّ له حاليا سوى موعد أفريل 2009 الإنتخابي بعد أن عاقبه الصندوق في كل الإستحقاقات السابقة فأدرك أن نموذج "طلباني وكرزاي" هو الأولى بالإقتداء، فأمريكا وحدها قادرة على أن توصله للسلطة لأجل ذلك اختارها ولم يختر شعبه، ولأجل ذلك اختار صحافتها ولم يختر صحافتنا التي كانت ستفتح له جميعها صفحاتها لو طلب منها نشر مقالاته.لا أحد يشك في أن السلطة مقصرة في جوانب كثيرة بدليل القناطير المقنطرة من الدولارات والشباب الذي ينتحر في أعماق البحار، ولا أحد يشك في أن الفساد قد ظهر في البر والبحر بما كسبت أيدينا، ولا أحد يشك أن الطالحين قوامون على الصالحين في الكثير من المجالات، لكن مع ذلك يبدو قذف السلطة بأنها أخطر من الإرهاب هو دعوة صريحة لحرب أهلية أو لاستعمار جديد ينام على جسد الوطن الجريح، مع إصرار غريب في أن تشرق هذه الشمس الحارقة جدا من الغرب وبالضبط من أمريكا.