عبد العالي رزاقي حين يقول زعيم حزب من أحزاب الائتلاف الحكومي بأن الأزمة الجزائرية لا تحتاج إلى حل سياسي وإنما إلى توسيع دائرة المخبرين أتساءل: هل لهذا الزعيم علاقة بالمجتمع الجزائري؟ ومعنى أن تكون »قوادا« بالمفهوم الشعبي؟ ربما يكون هذا الزعيم قد زار سويسرا وخيّل له أن السويسريين مجرد مخبرين، وليسوا مسؤولين وأصحاب قرار، ولهذا أراد أن يسقط ذلك السلوك الحضاري على واقع مأساوي شارك في صناعته أمثال هذا »الزعيم الكارتوني«. حوار الطرشان في الجزائر وحين ترتفع أصوات شخصيات جزائرية أمثال عبد الحميد مهري، وحسين آيت أحمد ومولود حمروش وغيرهم تدعوا الأحزاب الجزائري والمجتمع المدني والسلطة إلى مبادرة كل مشاكل البلاد، ولا تجد آذانا صاغية، ويحاول البعض تصنيفها ضمن »الرأي المعارض«، فهذا يعني أن هناك خطابا واحدا يراد تكريسه في الجزائر، وهو الخطاب الذي أشار إليه الزعيم السابق حين دعا المواطنين إلى أن يتحولوا مخبرين حتى يبقى في »الإقامة الرسمية« للدولة الجزائرية بنادي الصنوبر. لقد صدق مهري حين قال »تعودنا منذ الاستقلال، في جميع المحطات المفصلية والخطيرة التي عرفتها بلادنا أن نفكر في الجزائر كرئاسة، ونؤجل أو نستبعد التفكير فيها كدولة وحتى التفكير في الرئاسة كان ينصب على الرجل أكثر مما ينصب على المؤسسة« (2 جانفي 2008). يبدو لي أن الزعامة في الجزائر تسببت في مآسينا وما تزال، ويخيّل لي أن كل من يترأس حزبا أو اتحادا أو جمعية أو منظمة أو لجنة أو اجتماعا يتحوّل إلى زعيم والبقية تتحول إلى »مخبرين له«، ولا أذيع سرّا إذا قلت إنني كنت معجبا بعالم الاجتماع الجزائري مصطفى لشرف، ولازلت أتذكر ما قاله عن الزعيم مصالي الحاج وهو »أن القائد مصاب بنوع من هوس العظمة« (أعلام ومعالم ص 169) وربما يُستثنى من الزعماء أولئك الذين ألّفوا كتبا وتركوا أعمالا سجلت أسماءهم في عقولنا. وأولئك الذين استشهدوا حتى تبقى الجزائر حرة. أما الزعماء الذين أنجبتهم المناصب والوظائف والولاءات فهم سبب كوارث البلاد والعباد. مفاهيم مقلوبة! يحاول الكثير تغليط الرأي العام بإضفاء »صفة المواطنة« على الشعوب العربية والإسلامية، وكأن المواطنة هي أن تكون مواطنا ذا حقوق وواجبات، في أي نظام سياسي. إن المواطنة في أبسط معانيها هي المشاركة في الحكم، واتخاذ القرارات والمراقبة، وسحب الثقة، وهي تتناقض مع الدين الواحد، والحزب الواحد، والقبيلة والعشيرة، والعرق. والمواطنة لا توجد في أقطارنا العربية، لأن شعوبنا العربية في حاجة إلى الحاكم، أما في الغرب فالسلطة في حاجة إلى الشعب فهو يموّلها ويضمن تحقيق برامجها بواسطة الضرائب. ومادمنا لم ندخل عصر المواطنة فإنه يصعب علينا الخروج من الأزمات، لأن زعماءنا ينتجونها حتى تغذي انشغالات الشعوب. وقد عبّر عن هذه الفكرة الأستاذ مصطفى حجازي في كتابه "الإنسان المهدور" حيث قال: »الشعوب المتقدمة تستهلك حكامها والشعوب العربية يستهلكها الحكام«. قد يقول البعض إن الشعب الجزائري استهلك خلال 46 سنة من استرجاع السيادة ثمانية رؤساء (بن بلة، بومدين، رابطح بيطاط، الشاذلي بن جديد، بوضياف، علي كافي، زروال وبوتفليقة) أي بمعدل »عهدة واحدة« لكل واحد منهم؟ والحق يقال إن لكل رئيس منهم »قصة عجيبة« مع السلطة قد نتوقف عندها حين يسمح المقام بذلك والبعض من هؤلاء الرؤساء همّشهم المؤرخون المعاصرون لهم، والبعض الآخر مجرد »عباءة« لغيرهم والحقيقة مُرّة. زعامات؟ الشاهد في »الزعامة« لدى الكثير من الجزائريين والعرب هي »الصدفة« التي وجدت في الزعيم الراحل جمال عبد الناصر مأوى لها، ووجد فيها الزعيم الليبي معمر القذافي ملاذا له، وكان الرئيس الأسبق أحمد بن بلة بطلها، وذهب المناضل محمد بوضياف ضحيتها. وإذا استثنينا بعض الأصوات التي ترتفع من حين لآخر لإبداء الرأي وطرح الأفكار، بهدف دعم أي حوار أو مناقشة تسهم في حلحلة الوضع القائم في الجزائر، فإن الأحزاب الموجودة في البرلمان والمجتمع المدني والسلطة تتقاسم همّا واحدا وهو الرضى عمّا هو قائم أو موجود. وكأن ما يجري في البلاد من تحولات لا يشغل بال السياسي أو المثقف، وكأن الكل متفق على الوقوف في »محطة انتظار« بمنطق »لعلّ وعسى«. ومثل هذه المواقف السلبية تذكرنا بقصة طريفة رواها الكاتب المصري الراحل لطفي المنفلوطي وهي أنه دخل ذات يوم إلى المسرح فوجد نفسه بعيدا عن خشبة العرض، وكان بينه وبين الممثلين الجمهور، وحين سُئل عن رأيه في المسرحية قال: »لقد كنت أتفرج على المتفرجين«. وأزعم أن معظم »الساسة - الزعماء« وقع لهم ما وقع للمنفلوطي، لكن الفرق بينه وبينهم، هو أنه لم يكن يطمح في أن يكون »لاعبا« أو »ممثلا« على الخشبة. لقد وضعت استقالة الشاذلي بن جديد في 11 جانفي 1992 البلاد في مأزق كبير، لأنها أدخلتنا إلى عمق الجراح، فصار الرئيس يعيّن، والانتخابات تزّور، والفساد يستشري، والخزينة تنهب، ولا أحد يحرك ساكنا، وكأن الجميع مشارك في جريمة »تركيع الجزائر« وزرع اليأس بين الجيل الصاعد. وصار النفاق سياسة، والشطارة ثقافة، والهف سلطة، والخيانة صفة حميدة والتفرج على المتفرجين طريقا للحكم. إن الزعامة دون محتوى فكري أو سياسي أو إيديولوجي أو عقيدة هي سلطة افتراضية، لا تختلف عن سلطة كرزاي أو سلطة المالكي، أو سلطة محمود عباس أو غيرهم ممن يحملون »ألقابا« تحت سلطة الاحتلال. وأخطر الاحتلال هو حالة الشغور السياسي والثقافي في أي قطر من الأقطار.