توفيق رباحي trebahi@gmail.com استأذن في البدء وزير الداخلية يزيد زرهوني في استعارة كلمة »التحلّف« الرئاسي. فهي فلتة لغوية إبداعية من حقّه وحده ووجب أن يحفظها له التاريخ. إذا كان من فعل خير عاجل وضروري يجب ان يُقدّم للجزائر، وهي فعلا بحاجة إليه في ظروفها الحالكة هذه، فهو تحريرها من هذا »التحلّف« الذي ابتُليَت به وأخذها رهينة. وإذا كانت من خدمة هي بمثابة »قُبلة الحياة« يجب التعجيل بها للجزائر، فهي أيضا حل »التحلّف«. ففي حلّه خدمة لأعضائه وللعمل السياسي العام بالبلاد وللجزائر والجزائريين. بعبارة أوضح، حلّه إنقاذ للجزائر. سطو »التحلّف« على البلاد وتلويثه ما بها من أكسجين سياسي يدفع بنا الى الحلم بعبد الحق بن حمودة آخر، وخالد نزار آخر وأبوبكر بلقايد آخر و(جنرال) محمد تواتي آخر. أحيانا وفي حالات عدة، إنشاء »التحلّفات« ورصّ صفوفها هو الحل والإنقاذ للأمم، خصوصا في الأزمات. أما في حالة الجزائر، وبما أننا أمام بلد »ماشي على راسو«، فالحل في حل »التحلّف« والشفاء من بلائه. تعالوا نحسب الربح والخسارة: نبدأ بالقول إن هذا »التحلّف« هو نقابة »زعماء« لا زعامات لهم: واحد ورث جهازا والآخر ورث تاريخا والثالث ورث عبيدا ومريدين. هو (»التحلّف«) زواج بالقهر لعرسان غير مسؤولين كلياً عن مصيرهم. زواج في »القمة« لم ينل تزكية القاعدة، بدليل أنه في أوساط الشعب، »التحلّف« غير موجود، بل ان مكوناته متناحرة فأصبح معرقلا لحياة الجزائريين، ويكفي أن الألف بلدية المشلولة منذ 29 نوفمبر الماضي لا يشلّها أحد أو شيء غير منتخبي »التحلّف« وعنادهم. إنه أكبر دليل على الفائدة التي يقدمها هذا الزواج غير الطبيعي للجزائر. ثم انظروا الى البرلمان وكيف جعل منه هذا »التحلّف« غرفة تسجيل مثيرة للسخرية، ومرتعا للعقم السياسي والتشريعي. كما منع، بحكم قوته العددية، ميلاد أو نمو أية فكرة لا تتمشى وهذا العقم، داخل أو خارج البرلمان. أذكر أن قياديا في حركة النهضة المهزومة في الانتخابات النيابية الأخيرة تحدث في التلفزيون مفرغا جمّ غضبه وخيبة أمله في »التحلّف« واصفا إياه بأنه »رولو«، لا يرحم ولا يترك رحمة ربّ العالمين تنزل على الآخرين. نفترض أن قادة »التحلّف« اجتمعوا الخميس المقبل وقالوا إن الله هداهم وأنهم استحوا من أنفسهم ومن الجزائريين وقرروا حلّه، فمن وماذا ستخسر الجزائر؟. لا شيء، لأنهم سيكونون مثل تاجر جملة يبيع الأوهام ويهيمن على سوق القرية لأنه أُوتي ظروفا جعلت منه الأقوى، ثم قرر أن »يهبّط الريدو«. لهذا، وإذا كان يجب أن نسأل، فالسؤال هو: ماذا ستربح البلاد؟ ستربح بؤسا سياسيا أقل، ونفاقا سياسيا أقل، وظلما (بمفهومه الواسع) أقل من تاجر الجملة، وتتنفس هواء غير ملوث بثرثرة قادة »التحلّف« ومزايداتهم. الذين يحاولون إيهام الجزائريين بأن بلادهم ماتزال موجودة بفضل هذا »التحلّف« يمارسون الدجل السياسي. فالجزائر كانت أفضل وأكثر حيوية بدونه. على الأقل كان هناك نفاق في الممارسة السياسية. والذين يوهمون العالم بأن »التحلّف« سَنَدٌ لصاحب الفخامة أفّاقون كذلك. ففخامته لا يحتاج الى أحد. وإذا كان قصدهم مساندته في الانتخابات الماضية واللاحقة، فهم تناسوا أن فخامته ليس له معارضون من القوة بحيث يحولون دون فوزه بأية انتخابات من الآن الى العهدة التي يشاء. ثم أين هي هذه الانتخابات وما شكلها ولونها إذا صدّقنا أن كل الجزائريين مصرّون على ترشح فخامته. مَن سيجرؤ على أن يكون الخصم أو المرشح المنافس والناس أجمعون يعرفون إلى أين انتهى علي بن فليس ومن ساروا خلفه؟. والسؤال الذي كان يجب أن يُطرح منذ مدة هو مَن طلب من هذا الثلاثي إنشاء هذا »التحلّف«؟ حتما ليس صاحب الفخامة لأنه لا حاجة له الى »موالاة«، خصوصا إذا كانت على شاكلة »التحلّف« الذي بالطريقة التي عمل بها منذ وجوده وسيعمل بها، يسيء لفخامته أكثر مما يفيده. فهو يعمل على أن يجعل منه سلطانا في زمن لا سلاطين فيه. ويعمل على أن يرشحه وحيدا لانتخابات رئاسية لا منافسة فيها وستكون منزوعة الشرعية والمصداقية. لهذا، ونظرا لما سبق ذكره، فالمطلوب هبّة وطنية لإنقاذ الجزائر من مخالب »التحلّفيين« قبل أن يفوت الأوان. مصلحة الجزائر، سلطة ورعية، في معارضة قوية ومجتمع مدني صادق، لا في »موالاة« خانعة تجعلك تستحي من كونك جزائريا.